واشنطن - أحمد عبدالله
أكد البيت الابيض اول من امس ما كان يتردد في واشنطن منذ ايام بصفة غير رسمية من ان الرئيس اوباما امر ببدء مراجعة شاملة لسياسة الولايات المتحدة تجاه كل من باكستان وافغانستان.
وقال الناطق باسم البيت الابيض روبرت غيبس ان الرئيس كلف بروس ريدل الباحث في معهد بروكينغز برئاسة لجنة مشتركة تضم ممثلين عن الجهات الحكومية المعنية ويشارك في رئاستها المبعوث الخاص ريتشارد هولبروك ووكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات مايكل فلورنوي.
واوضح ان ريدل سيرفع تقريره الى مستشار الامن القومي جيم جونز.
ويكمن المغزى الحقيقي لهذا الاعلان المقتضب في ان الرئيس يبدو في مواجهة آراء متماسكة تختلف معه في رؤيته لما ينبغي ان تفعل الولايات المتحدة تجاه أفغانستان.
ويتضح هذا بجلاء من متابعة ما حدث خلال الاسابيع الاخيرة بشأن هذه القضية على المسرح السياسي لواشنطن.
ففي نهاية الاسبوع الماضي وبينما كان كثيرون يتنظرون ان يصدر امر نقل ثلاث كتائب من الجنود الاضافيين الى افغانستان حتى يتسنى سفرهم قبل حلول الربيع كما كان مجدولا، فإن اوباما امتنع عن توقيع امر نقل الجنود.
وأثار ارجاء التوقيع بعض اللغط في واشنطن لاسيما ان وزير الدفاع كان قد صرح في نهاية الشهر الماضي بأنه لا يرى ضرورة للتعجل في ارسال القوات قبل تحديد دقيق لمهمة الاميركيين في افغانستان.
فضلا عن ذلك فإن عسكريين كثيرين اعربوا عن معارضتهم لزيادة القوات بل وذهب احدهم الى القول ان افغانستان قد تتحول الى ڤيتنام اخرى اذا لم تدرس الولايات المتحدة بتأنٍ خطواتها هناك واذا لم تحدد بوضوح تام ما ينبغي ان تكون عليه استراتيجيتها هناك.
وجاء ذلك في مواجهة ما وعد به اوباما خلال الحملة الانتخابية وما كرره مرارا بعد ذلك من ان الولايات المتحدة يجب ان تسحب قواتها من العراق لتركز على افغانستان، وان «المهمة الحقيقية» هي مطاردة القاعدة وهي المهمة التي لم تنجزها الادارة السابقة على الوجه الاكمل والتي تعين بالتالي على الادارة الجديدة ان تقوم بها حسب قوله.
ولكن لماذا يوصى بعض العسكريين والاستراتيجيين بالتمهل في ارسال قوات جديدة الى افغانستان؟ عند سؤال القائد السابق للمنطقة العسكرية الوسطى الجنرال جوزيف هور في حوار سبق ان نشرته معه «الانباء» عن السبب قال باختصار «نحن لا نعرف ما هو المطلوب منا هناك بالضبط، هل هو نشر الديموقراطية؟ ام تحرير المرأة؟ ام تشييد الاقتصاد الوطني؟ ام مكافحة الافيون؟ ام مطاردة طالبان والقاعدة؟ ام مساندة الحكومة الشرعية؟ ام بناء المدارس؟».
وبدا ان الجنرال هور يعكس بدقة التساؤلات التي تتردد بين العسكريين الاميركيين بصفة عامة، فقد وضعت ادارة الرئيس بوش استراتيجية بالغة العمومية لقواتها هناك ثم عجزت عن توفير ادوات تنفيذها.
ذلك ان «اعادة بناء البلد بأكمله» كما قال الرئيس بوش في يناير 2002 كان يحتاج الى آلة كبيرة مدنية وعسكرية واعتمادات مفتوحة وقدرة على فرض الامن والاستقرار على نحو يكفل البدء في عمليات البناء مع ضمان القدرة على استــمرارها وعلى تشغيل ما تم تشييده، الا ان تلك الآلة لم تكن موجودة على اي نحو، بل ان عدد القوات الذي توافر لمجرد الاستمرار في العمليات العسكــرية وحدها دون ذكر «اعادة بناء البلد بأكمله» لم يكن كافيا. بعد ذلك تعهد الرئيس اوباما بزيادة القوات ولكن لماذا؟
ان زيادة القوات ليست استراتيجية، انها وسيلة لتحقيق استراتيجية ينبغي ان تكون محددة مسبقا بدقة، وحين سأل الجنرال بيتريوس الرئيس الجديد عما يريده بالضبط في افغانستان قال اوباما «اقتلاع القاعدة وحرمانها من اي ملاذ آمن هناك»، ولكن هل ينبغي ان يتم ذلك بالتفاهم مع طالبان او اجنحة منها كما اقترح جنرال اميركي سابق طلب عدم نشر اسمه «لحساسية الاقتراح»؟
ثم هل يتعين تخصيص قدر من الاموال والقوات لمكافحة زراعة الافيون التي يقول الاميركيون انها الممول الرئيسي للمتطرفين في افغانستان؟
وكيف يمكن انجاز ذلك اذا تقرر تنفيذه؟ ثم ما السبب الذي سيجعل القبائل الافغانية تكرر ما فعلته قبائل الانبار من طرد للقاعدة ـ وربما طالبان من اراضيها؟
وهكذا بدا ان الادارة الجديدة لا تملك بالفعل رؤية واضحة لما ينبغي ان يحدث في افغانستان.
فالمسألة تتجاوز في حقيقتها الثرثرة في الحملات الانتخابية عن زيادة القوات «لاقتلاع القاعدة».
انها ليست قصة قصيرة أحادية الجانب تذهب فيها القوات الاضافية فتطارد القاعدة وتطردها ويعيش الجميع بعد ذلك «في تبات ونبات».
واذا اثير سؤال حول دور بيتريوس في وضع هذه الاسراتيجية فإن غيبس اجاب عليه اول من امس قائلا ان الامر «ليس عسكريا فقط انه استراتيجية شاملة».
ويعني ذلك ان الوزن النسبي للجنرال بيتريوس لم يعد بالفعل ما كان عليه ابان الادارة الماضية، وهو امر مؤسف على اي حال، اذ برهن الجنرال في العراق على بعد نظر حقيقي، ولكن المهم في كل الاحوال ان تنتهي عملية مراجعة السياسة الاميركية في افغانستان الى وضع استراتيجية حقيقية يمكن لها ان توضح للجميع هدف واشنطن في افغانستان.
ولعل بروس ريدل ينجح في ذلك على نحو يخاطب وضعا يقول الجميع انه لا يكف عن التدهور يوما بعد يوم.