بـــيروت
عمر حبنجر
داود رمال
خلدون قواص
بدا واضحا من الحشد الجماهيري الضخم الذي غطى ساحة الشهداء امس احتفاء بالذكرى الرابعة لاستشهاد رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري ان قوى 14 آذار مازالت اسما على مسمى، وبالتالي فإنها قادرة على حشد الجماهير الداعمة لتيارات الحرية والسيادة والاستقلال التي حمل الحريري لواءها حتى الاستشهاد، في اي وقت، وبالزخم غير المسبوق الذي شهده يوم 14 مارس 2005، ما يعني ان بقاءها في خانة الاكثرية النيابية بعد السابع من يونيو فرضية كبيرة.
فمنذ الفجر والضخ الشعبي تواصل من الشمال والبقاع والجبل بشطريه الشمالي والجنوبي، اي المسيحي والاسلامي والدرزي، اضافة الى الجنوب، وبالطبع بيروت، التي اختنقت ساحاتها والشوارع بالسيول البشرية الآتية من الجبال والسواحل والباصات والشاحنات والسيارة الصغيرة اقبلوا، مواكب مواكب، كل منها يرفع صور زعيمه واعلام حزبه، موكب الحزب التقدمي الاشتراكي يتقدمه رئيسه وليد جنبلاط ونواب حزبه، موكب حزب الوطنيين الاحرار يتقدمه دوري شمعون المرشح للنيابة عن دائرة الشوف بالتحالف مع جنبلاط، موكب القوات اللبنانية يتقدمه د.سمير جعجع ونواب حزبه، موكب الكتائب يتقدمه رئيس الحزب امين الجميل، مواكب تيار المستقبل التي تدفقت الى بيروت واقليم الخروب والبقاع فضلا عن صيدا وصور وبيروت، وبالذات منطقة الطريق الجديدة من العاصمة التي هي بمنزلة الخزان البشري لتيار المستقبل.
طريقة المواكب المتتالية كانت جزءا من مخطط الاحتفال، وقد سرى هذا الترتيب على الوزراء والنواب المستقلين والشخصيات الحزبية، وكان العلم اللبناني وصور الرئيس الحريري ورفاقه الشهداء بمنزلة القاسم المشترك بين الجميع.
وتميز مهرجان ذكرى اغتيال رفيق الحريري هذا العام بالحضور النسائي الكثيف، خصوصا من طالبات الجامعات والثانويات، وزاد على احتفالات السنوات السابقة استحضار فرق موسيقية وجوقات تراتيل كنيسة، وتلت «يا مريم يا ممتلئة نعمة..» وغنت «طلع الفجر علينا من ثنيات الوداع» والفجر الساطع آت، وتوالت على المنصة عدد من المطربات اللواتي ادين اغاني فيروزية وطنية.
الى جانب التجهيزات الصحية والمائية والعصائر، كانت الترتيبات الامنية في غاية الشمولية والاتساع، وقد شملت جميع الخطوط المرسومة كمداخل للعاصمة ولساحة الشهداء فيها منعا للاحتكاكات او الاستفزازات، ومع ذلك سجل شيء من هذا في منطقة جسر سليم سلام، حيث رشقت عناصر من احزاب المعارضة موكبا لحزب الوطنيين الاحرار بالحجارة، الامر الذي حمل قوى الامن الى اغلاق هذا الطريق وحصر مرور المواكب بطريق المزرعة ـ الروشة ـ عين المريسة فساحة الشهداء.
وذكرت مصادر امنية ان بعض عناصر المواكب من الشبان اليافعين اطلقوا هتافات اعتبرت مستفزة لانصار امل وحزب الله.
المحكمة والحوار
وتبقى الكلمات التي اتسمت بالحدة على مستوى العلاقة مع سورية في باب المحكمة الدولية خصوصا، فيما كان التركيز محليا على الحوار الوطني الذي شدد عليه النائب وليد جنبلاط، بينما اطلق سعد الحريري البرنامج السياسي لقوى 14 آذار قائلا لوالده الشهيد ان المحكمة الدولية على الابواب، وتوجه الى المتورطين بالقول: الى لاهاي.
اما رئيس حزب الكتائب امين الجميل فقال انه «يوم انتصار الحرية والكرامة وانه يوم الوعد بالانتصار في استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة».
واضاف الجميل ان «الولاء للبنان الذي فجر صاعقه استشهاد الحريري لا قيمة له من دون الولاء للدولة اللبنانية دون سواها وان الانتصار هو الاقتصاص الحقيقي من القاتل سواء كان شخصا او نظاما او تنظيما او دولة».
واكد ان الانتخابات المقبلة ليست خيارا بين مرشحين ينتمون الى فريقين وطنيين وانما هي خيار بين مرشحين ينتمون الى مشروعين متناقضين، المشروع الاول هو مشروع اكمال مسيرة السيادة والاستقلال والنهضة الاقتصادية، والمشروع الآخر هدفه استعادة الوصاية واستحضار الهيمنة.
ووجه الجميل نداء مثلث الاتجاهات، الاول الى قادة ثورة الارز داعيا اياهم الى التوحد واعطاء المثال الناصع في الوحدة الوطنية في الثبات في المشروع الاساسي في السياسة والتكامل الانتخابي والتجرد من المصالح الخاصة.
كما وجه نداء الى الشعب اللبناني، مشددا على اهمية مواصلة النضال والصمود واكمال ثورة الارز، معتبرا انها لن تكتمل الا في الانتخابات المقبلة.
وقال الجميل ان لبنان بحاجة الى كل ابنائه، داعيا الفريق الاخر الى الاندماج في مشروع بناء الدولة.
اما رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع فقد اعتبر انه وبعد ثلاثين عاما من الانتظار حان وقت الحساب من خلال البدء بالمحكمة الدولية، معتبرا انه لولا ثورة الارز والتضحيات التي رافقتها ما بقي لبنان ولا الامل.
واعتبر ان الوجود السوري ترافق مع الحريات المكبوتة والافواه المكتومة، موضحا ان ثورة الارز دفعت بعض من في الداخل والخارج للعرقلة اليومية امام قيام لبنان دولة قوية قادرة، مضيفا انهم يريدون دولة وهمية من دون قرار او سياسة وجيش، واعتبر ان من اثار مشكلة التنصت في الآونة الاخيرة اراد حرمان الاجهزة الامنية من عملها وترك الساحة مفتوحة لهم من خلال الممارسات غير الشرعية، متناسين في الوقت عينه الدستور و«الطائف» الشرعيين، موضحا ان مصالح الوطن والمواطن مهددة لمصلحة المصالح الشخصية لهذا او ذاك، وان الدولة مهددة من جديد على ايدي من يسعون لتحقيق مصالحهم السياسية بأي ثمن، لكننا لن نترك لبنان يسقط من جديد.
وحث اللبنانيين على التأكيد للعالم في 7 يونيو موعد الانتخابات ان لبنان هنا وهنا لبنان ولن نتراجع ولن نركع ولن نستكين، وعهد منا لشهداء ثورة الارز لرفيق الحريري ورينيه معوض وللجميع ان نبقى على العهد.
بدوره، هاجم رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط سورية بعنف، وتوجه بهدوء الى اخصامه السياسيين في الداخل.
وقال جنبلاط امام مئات الآلاف: اخرجتم نظام الوصاية وفرضتم المحكمة باصراركم وعنادكم، في اشارة الى الجيش السوري والى المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري.
واضاف: من موقع الحرص على الوحدة والحوار، لابد من التمييز بين التهدئة والتسوية، نقولها بصراحة لا تسوية على المحكمة وعلى تحديد وترسيم الحدود (مع سورية).
وتابع: لا تسوية على «الطائف» شرط استكمال الطائف بتحرير لبنان من نظام الطوائف ولا تسوية على حصرية قرار الحرب والسلم بيد الدولة.
ومتوجها الى الفرقاء الداخليين، قال الزعيم الدرزي: لا عدو لنا في الداخل على الاطلاق، وان الحوار فوق كل اعتبار، نحترم شهداءهم ونتمنى ان يحترموا شهداءنا، وعدونا الى جانب اسرائيل هو الحقد ومحاولة انظمة الاستبداد قمع التقدم والتطور.
وقال جنبلاط: نصر كدولة وشعب على التهدئة والهدنة مع اسرائيل وغيرنا يحارب عبرنا وعبر غزة وارضه محتلة ويباهي بالتحرير ويفاوض اسرائيل، وكأن اهل لبنان وغزة يباعون ويشترون على طاولة المفاوضات.
بالروح بالدم نفديك يا لبنان
الكلمة الاخيرة كانت لسعد الحريري، بعد دقائق من الصمت في التوقيت الذي وقعت فيه الجريمة، اخترقها صوت المؤذن واجراس الكنائس، وقد سمع سعد هتافا يقول: بالروح بالدم نفديك يا سعد، فأجابهم بالقول: انا افديكم بالدم، وكلنا نفدي لبنان.
كما اعرب الحريري عن ان المحكمة الدولية التي ستحاكم قتلة والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري باتت على «الأبواب»، ودعا الى إعلاء لغة الحوار الوطني لمنع استدراج لبنان نحو العنف.
وقال «نأتي مجددا الى ساحة الحرية لنقول للرئيس الشهيد رفيق الحريري ولكل شهداء انتفاضة الاستقلال: المحكمة الدولية على الأبواب ودمكم سينتصر على الظالمين».
وأضاف «لقد دقت ساعة الحقيقة والعدالة ستدق بإذن الله أبواب كل الذين شاركوا في المسلسل الإجرامي بحق لبنان»، مؤكدا اننا «سنبقى أمناء على مسيرة الحرية والسيادة. وسنكمل الدرب مسيحيين ومسلمين ندافع عن لبنان».
ولفت الحريري الى ان لبنان ومنذ أربع سنوات «يتحرك في حقول من الألغام»، مشيرا الى الاغتيالات التي تمت واستهدفت قيادات سياسية وعسكرية.
ودعا الى «إعلاء لغة الحوار الوطني على أي لغة تناقض العيش المشترك وتسعى الى استدراج لبنان نحو أي شكل من أشكال العنف».
وتابع «معا واجهنا الحرب الإسرائيلية على بلدنا وتوحدنا في وجه العدوان، ومعا شعرنا بوجع نقل المعركة الى الداخل ومعا أصررنا على المحكمة الدولية ولم نستسلم لليأس. ولم نتنازل عن حق اللبنانيين في قيام الدولة».
ووصف استحقاق الانتخابات النيابية التي ستنظم في يونيو المقبل بـ «المصيري»، مؤكدا انه لرفع الصوت في سبيل قيام دولة حرة مستقلة وقادرة ومسؤولة عن إدارة شؤونها بنفسها مسؤولة عن حماية الحدود والسيادة الوطنية واستقرار البلاد.
من جهة ثانية، وجه الحريري «تحية إكبار وتضامن مع إخواننا الفلسطينيين في غزة وتضحياتهم في وجه الآلة الحربية الإسرائيلية»، وناشد القيادات الفلسطينية «الارتقاء الى مستوى التحدي التاريخي مع العدو وتفويت الفرصة على المتلاعبين بقضيتهم. عسكرية ومذهبية وسياسية».
من جهته، قال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع «لولا ثورة الأرز لما بقي لبنان ولا شعب ولا أرز.
قبل ثورة الأرز كنا شعبا مقهورا، معذبا، مضطهدا، مغلوبا على أمره ملاحقا، مسجونا، منفيا، مقتولا كنا حريات مصادرة، أفواها مكمومة أيادي مغلولة، كنا دولة على الورق ووطنا مسلوبا».
تغطية خاصة في ملف ( pdf )