إذا كانت مناهج التعليم ومواكبتها للتطور والتحديث مؤشرا مهما تستطيع من خلاله تقييم الجامعات، فلهذه المناهج دور كبير في إيجاد أرضية تجعلنا قادرين على الخوض ولو بتجارب بسيطة في مجال البحث العلمي.
الوطن العربي حتى هذه اللحظة مازال عالة على تكنولوجيا وبحوث الغرب وإلى هذه اللحظة لا يمكننا الاعتماد على القطاع الصناعي والفعاليات الصناعية في دعم البحث العلمي.
وجامعاتنا تعتمد على ميزانيات ودعم الدولة ولكن دون جدوى.
فهل من المعقول أن جامعة عمرها 100 سنة لا تمتلك بحوثا علمية أو أسسا للبحث العلمي؟ فالبحث العلمي مرتبط ارتباطا وثيقا بمناهج التعليم ويحتاج إلى مخابر ومستلزمات متطورة تواكب كل ما هو جديد لإجراء هذا البحث إلى جانب حاجته إلى المراجع والدوريات العلمية الحديثة التي تنور طريقنا لمواكبة المستجدات.
والشيء المهم في هذا النطاق الكادر العلمي المؤهل بشكل حقيقي.
لقد أحدثت الهيئة العليا للبحث العلمي في العام 2005 بموجب المرسوم التشريعي رقم 68 الذي يحدد أهدافه وفق رسم السياسة الوطنية الشاملة للبحث العلمي والتطوير التقاني واستراتيجياتهما بما يلبي متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والتنسيق بين الهيئات العلمية البحثية تنسيقا كاملا على جميع المستويات وفي جميع المجالات.
مدير البحث العلمي في وزارة التعليم الأستاذ د.محمد عثمان يقول «الهيئة العليا للبحث العلمي مهمتها الإشراف والتنسيق ورسم إستراتيجية البحث العلمي ويفترض أن تكون لديها قاعدة بيانات تحتوي كل أنشطة البحث العلمي ومرجعية في اختيار البحوث ذات الأولوية وعدم ازدواجية عمل البحث العلمي»، ويضيف عثمان ان القطاع الصناعي حتى الآن لم يقم بأي مساهمة بالرغم من أنه يستطيع المساهمة باتجاهين إما بتشريع يفرض على القطاع الصناعي نسبة مئوية معينة مما يصدر خارج القطر، أو التفاعل بين الصناعيين والباحثين ويكون عندها البحث لمصلحة المنشأة».
ميزانيات وخوف
يقول د.عثمان «ميزانية البحث العلمي في سنة 2008 وما خصص لـ 2009 هي 189 مليون ليرة سورية وهذه الميزانية مرصودة لمتطلبات الوزارة من المكتبة الالكترونية والمجلس الأعلى للعلوم، والمؤسسات العلمية المرتبطة بالوزارة مثل الهيئة العامة للتقانة الحيوية، وما تبقى يوزع على الجامعات».
ويضيف «سابقا كان التوزيع يعتمد على تقدير حصة كل جامعة بناء على عدة أعضاء الهيئة التدريسية وجامعة دمشق لهذا النصيب الأكبر، وفي السنة الماضية تم التدقيق وتبين أن الميزانية تصرف على غير البحث العلمي مثل برامج وتجهيزات وأحيانا أخرى على مواد استهلاكية».
يتابع عثمان «يجب أن تخصص 20% من الموارد الذاتية للجامعة للبحث العلمي فميزانية البحث العلمي من حيث المبدأ لا تكفي لتلبية احتياجات أعضاء الهيئة التدريسية وبالتالي يجب أن تلبى متطلبات البحث العلمي للدراسات العليا من الموارد الذاتية ونترك مخصصات البحث العلمي لأعضاء الهيئة التدريسية».
يرتبط البحث العلمي ارتباطا وثيقا بالتجهيزات المخبرية والأدوات المستخدمة ومدى قدرة الأساتذة على المساهمة وتسخير الإمكانيات، الأستاذ د.مروان الحلبي يقول «حدث في الآونة الأخيرة تطور كبير في طرق ووسائل إيصال المعلومات للطالب من أجهزة عرض حاسوبية وإضافة ملفات ڤيديو لوسائل العرض لإيضاح الكثير من المعلومات الطبية، أما ما يجري في المخابر فيكون غالبا حسب الإمكانيات المتوافرة من المواد اللازمة للعمل المخبري وهي تتلاءم مع المناهج في أغلب الموضوعات الطبية وليس كلها».
أما ريم الجوجو، ماجستير طب فم، فتقول «أنا مشرفة لطلاب السنة الثانية والرابعة وأشعر بمعاناة الطلاب، والمشكلة الأساسية تكمن في ازدياد عدد الطلاب لأن المخابر تستوعب عددا معينا وهذا يجعلنا نعيش حالة فوضى تبعدنا عن مناهج التعليم، كما أننا نعاني من نقص في الكوادر التدريسية والنقص قد يصل إلى حد عدم وجود أستاذ جامعي في بعض الاختصاصات الجديدة».
بدورها استاذة علم الأدوية في كلية الصيدلة د.سوسن الماضي تقول «المخابر في وضعها الحالي لا تفي بالغرض لأن تطوير الأدوات والأجهزة يعد من أولويات مسيرة التطوير والتحديث ومع أن الوزارة تسعى جاهدة لرصد الميزانية الكافية لشراء الأجهزة لمواكبة مسيرة التطوير إلا أن آلية شراء الأجهزة والأدوات مازالت تخضع لنظام روتيني طويل الأمد، كما أن هاجس الخوف من المسؤولية الاقتصادية لدى اللجان المسؤولة عن تأمين الأجهزة يثبط الخطا والهمم لذلك حبذا لو يتوافر نظام مالي يتم من خلاله شراء الأجهزة والأدوات بشكل مباشر ولا مانع من وجود الرقابة والضوابط اللازمة».
مخابر الماجستير
د.عثمان يقول «ما أعلمه أن مخابرنا غنية بالتجهيزات أكثر بكثير مما هو موجود في الدول الأوروبية، ولكن المشكلة أن الجهاز قد يكون موجودا على بعد مائتي متر من قسم الأستاذ ويطلب جهازا مماثلا».
ويضيف عثمان «المخابر غنية جدا بتجهيزاتها وتواكب متطلبات البحث العلمي وهي مسرح لطلاب الدراسات العليا وهناك خلل فالأجهزة التي تكون ذات قيمة عالية وغالية الثمن تحتاج لمهارة فنيين ولكن للأسف المعنيون يتهربون من المسؤولية ولذلك يجب أن يكون لكل جهاز طاقم فني يخدم كل متطلبات الجهاز وهذا الطاقم يجب أن يكون مؤهلا يحسن استخدام الشروط الفنية بما يضمن استمرارية عمل الجهاز دون أعطال وهذا العمل غير موجود بجامعاتنا فدقة القياسات لا يمكن أن تضمنها إلا على أيد مؤهلة».
بدوره المعيد في كلية العلوم محمد أحمد يقول «تفتقر المخابر للكثير من التطوير والتحديث، وتفتقر للتجارب الحديثة»، أما الجوجو فتعتبر ان «مخابر طلاب الماجستير غير كافية للبحث وأي عمل يحتاج إلى توقيع وقد يذهب بك الأمر ثلاثة أو أربعة أشهر لتصل الموافقة، فمثلا حاليا نمتلك ثلاثة أجهزة حديثة وهي حكر على طلاب الدراسات العليا بسبب غلاء سعرها فلا يستطيع أحد أن يتحمل المسؤولية ويسمح للطلاب العاديين بالمساهمة والعمل على هذه الأجهزة».
ويرى عثمان انه «يجب ألا يتوه طالب الدراسات العليا بمتطلبات الروتين لأنه من مهمة الأستاذ المشرف وأي كتاب جامعي معلوماته مضت عليها 5 سنوات على الأقل فهو لا يؤهل للبحث العلمي، والآن وزارة التعليم العالي تدفع ملايين الليرات لمشاركتها في بنك المعلومات ولا حجة لطلاب الدراسات وأعضاء الهيئة التدريسية، فالموقع الالكتروني يسمح بمراجعة الدوريات المحكمة في العالم والحديثة وهو مصدر لمعلومات طازجة تفيد البحث العلمي ولا حاجة للمطبوعات الورقية فهي قصة قديمة».
ويتساءل عثمان: كم نسبة أعضاء الهيئة التدريسية وطلاب الدراسات الذين يستفيدون منها؟ إلى الآن عدد كبير من أعضاء الهيئة التدريسية لم يجربوا الدخول لقاعدة البيانات مع العلم أن الموقع أطلق في العام 2007.
أما د.فرانسوا قره بت المشرف في مخبر العلوم المركزي فيقول: «المخابر تفي بأغراض البحث نوعا ما، ولكن نحتاج لتطوير مستمر ودائم، وكوننا دولة مبتدئة في البحث العلمي نحتاج إلى جهد أكبر، والمشكلة التي نواجهها الروتين المعقد للحصول على الأجهزة الحديثة بالرغم من توافر الإمكانيات اللازمة فأنا أحتاج أحيانا الى سنتين للحصول على جهاز والبحث العلمي ليس جهازا فقط وإنما عقلية تفكير وتخطيط».
البحث بين الطالب وأستاذه
في المقابل أسامة دليقان الطالب في كلية الطب، يقول «المخابر غير مناسبة، والمشكلة في المستشفيات الجامعية والتي يجب أن تكون مصدر البحث، فهي لا تولي اهتماما كبيرا لطلاب الطب، وهناك نقص في الإشراف من الأساتذة فالأستاذ الجامعي غير متفرغ بشكل دائم وهو لا يلام لأن مرتبات التفرغ لا تكفيه ومن حقه أن ينشغل بعمله الخاص في العيادات أو المستشفيات الخاصة».
أما عميد كلية العلوم د.عصام قاسم فيقول «المختبرات البحثية في كلية العلوم تقدمت وعلى مستوى عال ولكنها بحاجة إلى تجهيزات إضافية لتفي بغرض البحث العلمي والمختبرات البحثية تفتح لطلاب الدراسات» يضيف قاسم «البحث موجود ولكن ليس بالشكل المطلوب ويحتاج إلى تفعيل وتوجيه فالبحث مرتبط بالباحث والتجهيزات والإمكانيات وللأسف الباحث في جامعاتنا غير مؤهل بشكل كامل لعدم تواصله الدائم مع تطورات البحث العلمي، فإيفاد البحث العلمي محدود إلى جانب غياب التعاون مع الجهات الأخرى من حكومة خاصة وقدرتها على طرح مشكلاتها لتكون مادة للبحث العلمي، الجهات الخاصة إلى هذه اللحظة لا تساهم في البحث والسبب غياب القناعة بالبحث العلمي واللجوء للخارج لحل مشكلاتهم، ولرفع مستوى البحث العلمي نحتاج لزيادة الإمكانيات من ناحية تسهيل عملية شراء التجهيزات الحديثة فنحن نجد صعوبة في عملية الشراء من خلال الروتين والإجراء المعقد».
الأستاذ د.غسان الحسن من كلية الهندسة الميكانيكية يقول: «تراجع البحث العلمي يعود لأسباب جوهرية أهمها الإمكانيات المتواضعة لبعض أعضاء هيئة التدريس في مجال لغة البحث العلمي الأساسية ألا وهي اللغة الإنجليزية إضافة إلى غياب الزيارات العلمية للكادر التدريسي إلى مراكز وجامعات مرموقة وعدم تخصيص ميزانية واضحة لإجراء الأبحاث العلمية كما هو معمول به في الجامعات العالمية فضلا عن غياب المخابر العلمية الحديثة».
ويقول د.الحلبي: «السبب في غياب البحث العلمي هو نقص الإمكانيات المادية والمواد المخبرية الموجودة إضافة إلى أن البحث العلمي يحتاج إلى تفرغ تام لأعضاء الهيئة التدريسية وهذا يستلزم تحسين الظروف المادية لهم بشكل يتناسب مع تفرغهم التام».
صفحة شؤون سورية في ملف ( pdf )