واشنطن ـ احمد عبدالله
تتوالى في واشنطن بعض التحركات على درب المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي يظهر قدر منها الى العلن فيما يبقى قدر آخر في قنوات الاتصالات الثنائية دون أضواء.
فقد وصل الى العاصمة الاميركية مثلا في عطلة نهاية الاسبوع المفاوض الفلسطيني صائب عريقات دون ضجيج، حيث بدأ مشاركة في لقاءات تعقد بإشراف سفير واشنطن في اسرائيل سابقا ومساعد وزير الخارجية في نهاية التسعينيات مارتن آنديك وبحضور وفد اسرائيلي لم تعرف اسماء اعضائه او ما اذا كانوا يمثلون الحكومة الاسرائيلية.
وتعقد هذه اللقاءات بعيدا تماما عن الاعلام ولم يتسن لأحد حتى اللحظة الراهنة على الاقل معرفة محلها من الاعراب في جملة التبدلات السياسية التي تطرأ على الساحة الاسرائيلية.
وفيما يمكن ان تكون تلك اللقاءات جزءا من بحث معهد بروكينغز الذي يعمل به آنديك عن خريطة للتقدم على درب المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية في ظل حكومة بنيامين نتنياهو فإن النتيجة في نهاية المطاف ستصل الى وزارة الخارجية وستلعب دورا في تحديد الكيفية التي ستتقدم بها ادارة الرئيس باراك اوباما في تعاملها مع هذا الملف الذي يمثل اكثر القضايا احتقانا وتأثيرا في مسار الامور بالشرق الاوسط.
من جهة اخرى، فإن هناك جهات اخرى في واشنطن بدأت بالفعل بلورة موقف اولي من كيفية التقدم بعد تولي نتنياهو رئاسة الوزراء في اسرائيل دون انتظار بحث آنديك.
فحين طلب رئيس الاركان الاسرائيلي غابي اشكنازي مثلا مقابلة وزير الدفاع روبرت غيتس قيل له ان الوزير مشغول، وهذا ايضا ما قيل لاشكنازي بالنسبة للرئيس ونائبه جو بيدن ومدير المخابرات الوطنية الادميرال دينس بلير ورئيس الاركان الاميركي مايك مولن.
وكان اشكنازي قد زار الولايات المتحدة قبل عام واحد تقريبا، الا ان ما حدث آنذاك كان مختلفا تماما فقد فتحت امامه ابواب كل المسؤولين الكبار بلا استثناء.
وكان رئيس الاركان الاسرائيلي قد ابلغ واشنطن قبل وصوله ان الهدف من الزيارة هو اطلاع المسؤولين الاميركيين على معلومات استخبارية جديدة بشأن موقع آراك الايراني حيث تشيّد طهران مفاعلا نوويا يعمل بالماء الثقيل.
وقد تحولت قضية موقع آراك الى محل للجدل مع رفض الايرانيين اطلاع وكالة الطاقة الذرية الدولية على تصميمات الموقع.
ومن المنتظر خلال الايام القادمة ان تثير الوكالة هذه القضية في تقرير تنوي اصداره عن مدى استجابة ايران لمتطلبات الوكالة بهذا الصدد.
وكانت رسالة واشنطن الصامتة الى اشكنازي ان الادارة الجديدة غير مهتمة في اللحظة الحالية بمحاولات وقف اتجاهه نحو اجراء حوار مع طهران بدعوى رفض تسليم تصميم موقع آراك للوكالة الدولية او باي حجة اخرى.
وقطع اشكنازي زيارته بعد ان التقى بواحد فقط من مسؤولي الصف الاول في الادارة وهو الجنرال جيم جونز مستشار الامن القومي الذي عرف بانه صعب المراس لا يمكن ان يوضع في جيب احد كما يقول الاميركيون.
وقيل ان قطع الزيارة بعد يوم واحد يرجع الى محادثات الافراج عن جلعاد شاليط في القاهرة فيما يؤكد كثيرون ان هذا ليس هو السبب الحقيقي.
ثم تسرب بعد ذلك نبأ يفيد بأن الولايات المتحدة تحظر على عوزي آراد دخول اراضيها.
وعوزي آراد هو احد كبار المسؤولين في المخابرات الاسرائيلية الموساد وقد نشرت الصحف الاميركية النبأ خلال وجود اشكنازي على اراضيها.
ومغزى ذلك واضح اذ ان الدائرة المحيطة بنتنياهو سربت الى الصحف الاسرائيلية نبأ يقول ان رئيس الوزراء الاسرئيلي الجديد سيعين آراد مستشارا للامن القومي الاسرائيلي في التشكيلة الحكومية الجديدة.
اما سبب حظر دخول آراد فإنه يرجع الى تورطه في قضية سرقة وثائق سرية عن ايران من وزارة الدفاع الاميركية.
وهي سرقة قام بها احد العاملين بالوزارة ويدعى لاري فرانكلين حيث سلم الوثائق للمدير السياسي للجنة العلاقات العامة الاميركية ـ الاسرائيلية (ايباك) ستيفن روزن حيث سلمها بدوره لديبلوماسي في السفارة الاسرائيلية.
وقالت وثائق قضية فرانكلين ان العملية كانت تتم باشراف آراد.
وقد اعترف فرانكلين بكل ما حدث بالتفصيل وحصل على حكم مخفف بالحبس 12 عاما يقضيها الآن خلف القضبان.
ويعني ما حدث في الايام الاخيرة في واشنطن ان ادارة الرئيس اوباما مصممة عى ارسال كل الرسائل الممكنة الى نتنياهو بانه ليس على الرحب والسعة مادام يمسك بسياساته المعلنة.
المشهد العام بالنسبة لموقف الادارة من اسرائيل يبدو بحق مختلفا في جوانب جوهرية عما كان عليه.
وقد ساعد ابعاد تشارلز فريمان عن موقع رئاسة مركز تحليل التقارير الاستخبارية بأيدي انصار اسرائيل في اغضاب كثيرين في الولايات المتحدة، مما ادى الى ردة فعل عكسية وتساؤلات عن المدى الذي ذهب اليه هؤلاء الانصار في التأثير على قرارات واشنطن.
وكل ذلك جيد الا انه ليس كافيا بعد لحمل اسرائيل على تغيير موقفها. ولكن رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة.