شكّل حضور الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد وغياب الولايات المتحدة والمانيا وايطاليا وعدد من الدول تضامنا مع اسرائيل الحدثين الابرز في مؤتمر دوربان 2 لمكافحة العنصرية في جنيڤ امس.
وكما كان متوقعا اثار خطاب محمود أحمدي نجاد انتقادات واحتجاجات واعتراض بالجملة حملت احد الحاضرين الى قذفه بالطماطم، فبعد أن وجه الرئيس الإيراني انتقادات حادة لمجلس الأمن الدولي واصل خطابه بوصف إسرائيل بأنها «حكومة عنصرية»، انسحب عدد من ممثلي دول الاتحاد الاوروبي.
وجاء انسحاب تلك الوفود عقب جزئية في كلمة نجاد قال فيها إنه وعقب الحرب العالمية الثانية تم اللجوء إلى العدوان العسكري، وتم إرسال مهاجرين من أوروبا ومن أجزاء أخرى في العالم، من أجل إقامة حكومة عنصرية بشكل كامل (إسرائيل) على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ووصف تلفزيون «بي بي سي» الاخباري البريطاني انسحاب عدد من الوفود الاوروبية من المؤتمر بأنه «كارثة في العلاقات العامة» للمنظمة الدولية، وقال التلفزيون الاخباري إن الامين العام للامم المتحدة بان كي مون قد أصدر بيانا عقب الواقعة جاء فيه انه أكد خلال مقابلته الرئيس الايراني قبيل بدء المؤتمر على أهمية الحدث وضرورة عدم تحوله لـ «مباراة سياسية».
وأضاف التلفزيون أنه من المعروف أن أحمدي نجاد لم يستمع في الماضي للنصيحة، مشيرا الى أن جزءا من حديثه كان ناقدا للغاية للامم المتحدة ومجلس الامن الدولي مما يجعل من الواقعة «كارثة في العلاقات العامة» بالنسبة للمنظمة الدولية التي كانت تأمل في أن يمثل هذا المؤتمر مثالا لقدرتها على توحيد الشعوب لمحاربة الظلم حول العالم.
ونقلت شبكتا «بي بي سي» البريطانية و«سي ان ان» الأميركية لقطات لمتظاهرين وهما يرددان شعارات «أنت عنصري» ويوجهانها إلى نجاد، حيث طالبا باعتقاله.
وقد تدخل رجال الأمن واصطحبا المتظاهرين خارج القاعة، حيث أكمل نجاد خطابه بعد ذلك.
خطوة انانية
وفي خطابه اعتبر نجاد مقاطعة واشنطن وعدد من الدول الغربية تضامنا مع اسرائيل انها «خطوة انانية ومتغطرسة»، الا ان نجاد اعرب عن ترحيبه بالتغيير في السياسة الاميركية تجاه طهران ووصف ذلك بانه «ضروري»، بيد انه اضاف ان ينتظر «تغييرات عملية»، وقال «نحن نرحب بهذا لأن التغيير برأينا ضروري في هذا الوقت»، واضاف «نحن ننتظر تغييرات عملية وندعم الحوار القائم على الاحترام المتبادل ومبادئ العدل المتعارف عليها».
ولم يسلم مجلس الامن من انتقادات نجاد الذي وصفه بعدم الكفاءة «لفشله في انهاء الصراعات الدموية في العالم» ودعا في ذات الوقت الى منح كل عضو من اعضائه حق التصويت على القرارات والغاء حق النقد (الڤيتو) المقتصر على الدول الكبرى.
وفيما دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الاتحاد الاوروبي الى ابداء «الحزم الشديد» حيال كلمة الرئيس الايراني ووصفها بانها «دعوة الى الحقد العنصري لا ينبغي السكوت عنها»، اصدر بان كي مون بيانا خاصا استنكر فيه تصريحات نجاد.
الى ذلك، شكل الغياب الواسع عن المؤتمر خيبة امل كبيرة لدى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون خلال افتتاحه، وقال بان في كلمته: «اشعر بخيبة امل كبيرة لان بعض الدول التي يجدر بها المساعدة على شق طريق الى مستقبل افضل غائبة»، مبديا اسفه لاستمرار «العنصرية حتى الآن».
وأضاف قائلا: إن العنصرية، وعلى الرغم من عقود من الترويج لها وجهود العديد من الجماعات والدول، لاتزال موجودة وقائمة وليس هناك أي مجتمع محصن منها سواء كان كبيرا أو صغيرا، غنيا أو فقيرا.
وأكد الامين العام للامم المتحدة أن «الآن هو وقت محاربة العنصرية وجميع أشكال الاضطهاد حول العالم، محذرا من امكانية زيادة المشاعر العنصرية حول العالم نتيجة للازمة الاقتصادية العالمية».
حقوق الإنسان
وفي موقف لافت، اعتبر كي مون أن معاداة الاسلام شكل من اشكال العنصرية مثل معاداة السامية.
وقال «ان العنصرية هي بكل بساطة انكار لحقوق الانسان، ويمكن ممارستها على مستوى نظام، وهو ما تذكرنا به المحرقة باستمرار، كما يمكن التعبير عنها بشكل غير رسمي - كمعاداة السامية على سبيل المثال او معاداة الاسلام اخيرا».
وكان الرئيس الايراني التقى الامين العام للامم المتحدة على هامش المؤتمر بحسب المتحدثة باسم المنظمة الدولية ماري اوزيه.
هذا وبررت الدول المقاطعة تغيبها عن المؤتمر بمخاوف من استغلاله لتحقيق مآرب اخرى وخاصة توجيه انتقادات لاسرائيل كما حصل في «دوربان 1».
وكان وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير اعلن امس ان فرنسا ستشارك على مستوى سفيرها، وحذر عبر اذاعة «فرانس انفو» قائلا: «يجب ان نكون واضحين، لن نسمح بأي تجاوزات كلامية، اذا اراد الرئيس احمدي نجاد العودة الى نص تم قبوله بصعوبة او اذا تلفظ باتهامات عنصرية او معادية للسامية، سنغادر القاعة فورا».
وذكر كوشنير ان الوفد الفرنسي الى المؤتمر سيكون برئاسة سفير فرنسا لدى الامم المتحدة في جنيڤ جان باتيست ماتاي.
وابدى اسفه لعدم توصل الاوروبيين الى توافق رغم انقضاء «ثلاثة ايام من المناقشات الطويلة بين الدول الـ 27»، لكنه اشار الى ان المانيا ستشارك في المؤتمر بصفة مراقب. واعتبر ان النص الذي سيتم اقراره خلال المؤتمر بات «مقبولا»، موضحا انه «لا يشير بالاتهام الى اسرائيل ولا يضع الاساءة الى الاديان في نطاق حقوق الانسان بل لا يذكرها، ويعيد التأكيد على حرية التعبير، ويأتي على ذكر المحرقة وكأن الامر انجاز».
إسرائيل تستدعي سفيرها
في هذه الاثناء، أمر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان السفير الإسرائيلي في سويسرا بالعودة إلى إسرائيل لإجراء مشاورات على اثر استضافة الرئيس السويسري هانس رودولف ميرتس الرئيس الإيراني.
وقال مسؤولون في مكتب ليبرمان امس إن إعادة السفير في سويسرا جاء احتجاجا على «السلوك السويسري تجاه من نفى المحرقة وأعلن مرارا عن الحاجة الى محو إسرائيل عن الخارطة» في إشارة الى استقبال ميرتس لأحمدي نجاد أمس الأول لدى وصوله إلى سويسرا.
وأضافت المصادر ذاتها أنه «ليس مناسبا لأي رئيس يحترم نفسه أن يصافح يد نافي المحرقة من طهران».
في المقابل، اعتبرت حركة المقاومة الاسلامية حماس ان مقاطعة بعض الدول وخاصة الولايات المتحدة للمؤتمر يشكل «غطاء لجرائم» اسرائيل.
وقال فوزي برهوم المتحدث باسم حماس في بيان «ان انسحاب هذه الدول يعطي غطاء واضحا لجرائم الكيان الصهيوني العنصري الرهيبة في حق الأطفال والنساء وأبناء الشعب الفلسطيني».