واشنطن ـ أحمد عبدالله
قبل الرئيس الأميركي باراك اوباما التحدي وألقى بقفازه في الحلبة التي توسطها نائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني معلنا بدء مباراة تثير عددا كبيرا من التساؤلات في واشنطن.
فقد أعلن وزير العدل الأميركي ايريك هولدر أخيرا ان الوزارة ستبدأ تحقيقا في قضايا التعذيب وذلك بعد ان قال الرئيس ان من مارسوا عمليات الاستجواب التي توصف بالتعذيب لن يتعرضوا لأي مساءلة قانونية اما أولئك الذين وضعوا تلك السياسة وأمروا بتنفيذها فإن أمرهم «سيترك لوزير العدل في اطار القانون».
اما الايام التي سبقت ذلك التصريح فقد كانت بداية لمواجهة ستمتد الى شهور طويلة وقد تستغرق الفترة الأولى من رئاسة اوباما بأكملها.
وكان ذلك ما وصفه الرئيس الأميركي في خطابه امام العاملين في وكالة المخابرات المركزية حين قال «لقد كانت الايام القليلة الماضية عصيبة بصفة خاصة».
اما صعوبة تلك «الايام القليلة الماضية» فانها كانت ترجع الى امرين.
الاول هو اضطرار الادارة الى نشر وثائق سرية تتعلق بالتعذيب تصف ما قام به بعض ضباط المخابرات المركزية خلال استجواب المعتقلين من تنظيم القاعدة.
اما الامر الثاني فقد كان الهجوم العنيف الذي تعرض له الرئيس بسبب ذلك من قبل عدد من رموز الإدارة السابقة لاسيما ديك تشيني.
فقد قال تشيني ان «على الرئيس ان يكف عن الاعتذار عما فعلته الولايات المتحدة» وانه يهدد بذلك أمن الأميركيين وانه «لا يفهم ان الإرهابيين سيستهدفون الأميركيين في كل الأحوال».
وتبع تشيني مدير المخابرات المركزية السابق الجنرال مايك هايدن الذي قال «الحقيقة ان اتباع أساليب الاستجواب التي يدور عنها الحديث ضد الإرهابيين جعلنا اكثر أمنا».
ورافق ذلك ضجة لا تكاد تنتهي من يمين الحزب الجمهوري تندد بموقف الادارة من القضية بأكملها بداية من اغلاق معتقل غوانتانامو الى مطالب التحقيق في أساليب الاستجواب ونشر الوئاثق التي تصف تلك الاساليب بدقة.
الا ان البيت الأبيض قرر في منتصف الشهر القيام بخطوة ذات دلالة عميقة، فقد امر الرئيس بان تتولى التحقيق لجنة خاصة تشكلها وزارة العدل وليس الكونغرس.
وكان القرار يهدف الى ابقاء القضية تحت السيطرة وتجنب المطالبات النيابية برؤوس بعض المسؤولين في الادارة السابقة بهدف تجنب نسف الجسور مع الجمهوريين.
فقد ترك القضية للكونغرس كفيلا بتحويلها الى مادة بالغة الحيوية لأجهزة الاعلام ومن ثم اعلانا حقيقيا ببدء حرب سياسية واسعة النطاق بين حزب السلطة وحزب المعارضة.
ولم يكن اوباما يرغب في اكثر من ابقاء تشيني ورجاله في مواقع دفاعية لاجبارهم على الانصات للنصائح التي سبق ان أرسلها اليه ايمانويل مع جمهوريين معتدلين.
بعبارة اخرى لم يكن اوباما يريد حربا شاملة ولكن وضعا سياسيا أفضل فحسب لاسيما ان بدء التحقيقات سيقنع جماعات حقوق الانسان والحقوق المدنية ـ وهي جماعات تشكل جزءا حيويا من قاعدته السياسية ـ بان الادارة تفعل شيئا.
بيد ان القلق الأساسي جاء من احتمالات حدوث ردة فعل سلبية داخل المخابرات المركزية لاسيما ان العاملين في الوكالة أعربوا عن استيائهم من «تشويه سمعتهم» وتصويرهم بانهم يعذبون المعتقلين فيما لا يذكر احد السياق الذي تمت فيه الاستجوابات.
وهكذا حرص الرئيس الأميركي على الذهاب الى وكالة المخابرات المركزية حيث ألقى كلمة ذهب فيها الى مدى بعيد في طمأنة العاملين بها قائلا «انكم أداة لا غنى عنها فانتم رأس رمح الولايات المتحدة في مهمتها وفي صون أمنها وسأفعل كل ما يجب لاحميكم كما تحمون انتم الشعب الأميركي».
وستبدأ الآن التحقيقات التي طلبها ليهي ومنظمات الحقوق المدنية ولكنها ستكون تحقيقات خلق جدران سميكة ولن يتابعها الأميركيون كما كان يمكن ان يفعلوا في حالة قيام الكونغرس بالأمر.
فضلا عن ذلك فان تلك التحقيقات ستضع تشيني ومستشاره القانوني دفيد آدنجتون ووزير العدل الأسبق روبرتو غونزاليس والجنرال هايدن وربما مستشار الرئيس الأسبق جورج بوش السياسي كارل روف وبالتأكيد عدد من مستشاري وزارة العدل السابقين في مواقع دفاعية حيث سينشغل الجميع الآن بتوكيل محامين لإرشادهم خلال تحقيقات وزارة العدل.
اما نتائج التحقيق فانه في اغلب التوقعات لن تكون غير ذلك.