واصل البابا بنديكتوس السادس عشر امس مسيرة حجه الى الاراضي المقدسة في الاردن رافضا ان يكون الدين مصدرا للصراع.
وتخللت مسيرة البابا التي دخلت يومها الثاني في الاردن امس زيارتين بارزتين احداهما لجبل نبو المطل على الاراضي الفلسطينية والاخرى لمسجد الملك حسين بن طلال في عمان.
البداية كانت بوقوف الحبر الأعظم على قمة جبل نبو حيث شاهد جبال القدس وصلى ليعم السلام.
وذكر في كلمة هناك «بالرباط الوثيق الذي يوحد الكنيسة مع الشعب اليهودي «داعيا إلى تذليل العقبات التي تعترض طريق المصالحة بين الشعبين اليهودي والمسيحي على أساس الاحترام المتبادل والتعاون في سبيل تحقيق السلام».
وفي العقيدة المسيحية وقف النبي موسى على جبل نبو وشاهد الأرض المقدسة في فلسطين التي لم يدخلها ومات ودفن في الجبل وأقيمت كنيسة في الموقع هي كنيسة صياغة التي زارها البابا والتقى فيها 50 رجل دين مسيحي.
وقال البابا في كنيسة الصياغة التي تعود إلى القرن السادس «مثل النبي موسى دعينا بالاسم للخروج من الخطيئة والعبودية إلى الحياة والحرية».
وختم زيارته لجبل نبو في بلدة مادبا القريبة حيث وضع حجر الأساس لبناء جامعة كاثوليكية جديدة بمساعدة المملكة الأردنية.
ويشجع الأردن الذي يمثل المسيحيون نحو 2% من تعداد سكانه على الوئام بين الديانات.
الدين للتوحيد لا للتفريق
مسجد الملك حسين في عمان كان المحطة الثانية البارزة في جولة البابا امس.
ورفض البابا في خطاب ألقاه داخل المسجد «التوظيف الايديولوجي للدين» لغايات سياسية معتبرا انه سبب في الخلاف بين الديانات ومؤكدا على اهمية حوار الاديان والمصالحة.
وقال لجمهور من رجال الدين المسيحيين والمسلمين داخل المسجد ان الدين يجب ان يكون قوة توحد ولا تفرق.
واضاف البابا ان «على المسلمين والمسيحيين بالذات بسبب ثقل تاريخهم المشترك الذي كثيرا ما شهد حالات سوء فهم، ان يجتهدوا من اجل ان يعرفوا ويعترف بهم باعتبارهم من احباب الله. وان يبقوا واعين باستمرار بالاصل المشترك وبكرامة كل كائن بشري».
وبعد ان اقر «للاسف بوجود توتر وانقسام بين اتباع مختلف الديانات»، تساءل البابا «افلا يشكل في الغالب التوظيف الايديولوجي للدين، احيانا لغايات سياسية، المحفز الحقيقي للتوترات والانقسامات واحيانا حتى العنف في المجتمع؟».
وحذر البابا المرجع الروحي لنحو 1.1 مليار مسيحي كاثوليكي من جعل الدين مصدرا للخلاف.
وقال «لا يسعنا سوى ان نشعر بالقلق، لان البعض يتحدثون اليوم باصرار متزايد عن فشل الدين في ان يكون كما هو في الاصل، صونا للوحدة والانسجام تعبيرا عن الاتحاد بين الناس ومع الله».
وحيا البابا بحرارة بطريرك الطائفة الكلدانية في بغداد عمانوئيل دلي الثالث الذي حضر الى عمان بمناسبة زيارة البابا وكان حاضرا في مسجد الحسين. كما حيا اللاجئين العراقيين الذين يقدر عددهم بنحو مليوني شخص في الاردن وسورية.
وقفة تأمل داخل المسجد
وكان البابا دخل المسجد مرتديا نعليه برفقة مستشار العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني للشؤون الدينية الأمير غازي بن محمد والمهندس الذي قام بتصميم المسجد.
وبرر المتحدث الرسمي باسم الڤاتيكان الأب فريدرك لومباردي عدم دخول البابا المسجد وهو حافي القدمين بالقول: «تهيأنا جميعا لخلع أحذيتنا عندما أصبحنا أمام مدخل المسجد وتهيأ البابا لذلك لأننا نعلم أن خلع الحذاء من علامات احترام المسجد ولكن مضيفينا لم يقوموا بأي شيء يدل على انه يجب أن نخلع أحذيتنا بل على العكس قادونا إلى داخل المسجد». وقال لومباردي في مؤتمر صحافي ان هناك مسارات داخل المسجد مشى عليها البابا أثناء جولته في المسجد برفقة الأمير غازي والمهندس الذي صمم المسجد. واضاف ان البابا لم يصل صلاة مسيحية داخل المسجد بل وقف وقفة تأمل في مكان مخصص للصلاة.
وبني هذا المسجد لتخليد ذكرى الملك الراحل حسين بن طلال ووصفت زيارة البابا للمسجد بانها خطوة لتأكيد احترامه للإسلام.
لا اعتذار
وعلى الرغم من الكلمات المتسامحة للبابا الا انه لم يقدم اعتذارا عن خطاب ألقاه في 11 سبتمبر 2006 في جامعة بالمانيا، بدا فيه وكأنه يقيم رابطا بين الاسلام والعنف وتناقضا بين الاسلام والعقل مما اثار احتجاجات وغضبا في العالم الاسلامي.
لكن اسلاميي الاردن طالبوا البابا بالاعتذار عن تصريحاته هذه قبل مجيئه الى المملكة. واعتبر حزب جبهة العمل الاسلامي، الذراع السياسية للاخوان المسلمين في الاردن واكبر احزاب المعارضة ان زيارة البابا «غير مرحب بها» ما لم يقدم اعتذارا.
غير ان لومباردي المتحدث باسم الڤاتيكان قال ان توضيحات البابا لتصريحاته في ألمانيا عام 2006 حول الإسلام كانت كافية لتوضيح حقيقة موقفه من الإسلام.
واعتذر الحبر الاعظم عن «سوء فهم» تصريحاته علانية في مناسبتين، ثم نظم لقاء استثنائيا مع سفراء الدول الاسلامية المعتمدين لدى الڤاتيكان.
واضاف لومباردي «مرت على تلك التصريحات فترة طويلة وعلينا أن ننظر إلى الخطوات التي أعقبت تلك التصريحات مثل توضيح البابا مرتين لهذه التصريحات وتأكيده أنها كانت اقتباسا كذلك لقاؤه مع سفراء الدول الإسلامية لتوضيح هذا الأمر والزيارة التي قام بها الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز للڤاتيكان عام 2007».
وسيبقى البابا في الأردن حتى الغد ثم يسافر إلى الاراضي الفلسطينية فإسرائيل لبدء أكثر المراحل حساسية في جولته.
ويؤيد الڤاتيكان حلا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يقوم على أساس وجود دولتين وهو ما لم تؤيده الحكومة الاسرائيلية الجديدة برئاسة نتانياهو.
وكان البابا قال للصحافيين على الطائرة أثناء توجهه للأردن إن الكنيسة الكاثوليكية ستبذل قصارى جهدها لمساعدة عملية السلام المتعثرة في المنطقة. وتوصف زيارة البابا بأنها حج للأرض المقدسة كما تعد أيضا جولة سياسية مهمة بهدف تحقيق توازن في علاقات الڤاتيكان مع اليهود والعرب وتحسين صورة البابا في العالم الإسلامي.