كان للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هذا الشهر اطلالات اعلامية بوتيرة كثيفة وغير معهودة من قبل. الأكثر اثارة وجدلا كانت الاطلالة الأولى في الخطاب الذي علق منه في الأذهان عبارتان: 7 مايو يوم مجيد وقادرون على ان نحكم لبنان وأكثر منه.
أما الاطلالة الأكثر مضمونا سياسيا فهي التي كانت للسيد نصرالله مساء أمس الأول في خطاب «سياسي محلي» نظرا لما هدف اليه وما تضمنه من رسائل سياسية في أكثر من اتجاه:
1- وجه نصرالله رسالة سياسية مباشرة الى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط هي «الأوضح والأبلغ» منذ العام 2005 تعكس استعدادا وقرارا لدى حزب الله للانفتاح على جنبلاط والحوار وفتح صفحة جديدة معه وتجاوز ما حصل في الأعوام السابقة، وتنبئ بأن العلاقة بين نصرالله وجنبلاط تقف الآن على مشارف «بداية جديدة»، وان ظروف اللقاء بينهما باتت ناضجة، والمسألة لم تعد الا مسألة توقيت حيث من الأفضل ان يعقد هذا اللقاء بعد الانتخابات وليس قبلها.
في خطابه خص نصرالله جنبلاط بالتفاتة خاصة مثمنا موقفه في موضوع «تقرير دير شبيغل» (الذي اتهم حزب الله بأنه يقف وراء اغتيال الرئيس الحريري)، وممتدحا شجاعته ومعتبرا انهما يلتقيان في توصيف أهداف وأخطار هذا التقرير الخطير الذي يرمي الى الفتنة، وهو أخطر من «بوسطة عين الرمانة».
وأرفق نصرالله اشارته الانفتاحية في اتجاه جنبلاط، برسالة تطمينية للطائفة الدرزية بالحفاظ على العلاقات الطبيعية ومؤكدا ان لا مشكلة معها، ومقدرا في هذا المجال أيضا دور جنبلاط الايجابي في التهدئة في الدوحة وبعدها.
هذه الخطوة المتقدمة من جانب نصرالله في اتجاه جنبلاط هي رد سريع ومباشر على الموقف الهام الذي اتخذه الأخير في موضوع التقرير الالماني الاتهامي بحق حزب الله، وحيث يمكن اعتبار هذا الموقف الصادر عن واحد من أبرز أقطاب 14 آذار ومن أبرز حلفاء سعد الحريري، انه ساهم (ويعود اليه الفضل) في نزع الفتيل وفي تعطيل مفاعيل هذا الاتهام والحؤول دون استغلاله سياسيا وانتخابيا، ودون تطوره وتفاقمه الى فتنة. وموقف جنبلاط هو واحد من ثلاثة عناصر ساهمت في اخماد هذا التقرير لبنانيا. وأما العنصران الاخران فهما موقف المحكمة الدولية التي أعلنت انها لا تعرف من أين استقت الصحيفة معلوماتها. وموقف اسرائيل التي سارعت الى توظيف وتثمير هذا التقرير الصحافي «الاستخباراتي» في معركتها ضد حزب الله ونصرالله شخصيا وبطريقة ساهمت في كشف مصدر التقرير وغاياته.
2- الرسالة الثانية كانت للطائفة السنية وزعيمها سعد الحريري، وتضمنت ثلاث نقاط:
- التحذير من خطورة تقرير «دير شبيغل» وأهدافه وأولها اشعال الفتنة بين السنة والشيعة في سياق المخطط الاسرائيلي - الاميركي للعب آخر الأوراق وآخر الجولات المتمثلة في تعميق الصراع الايراني - العربي والشيعي - السني في المنطقة.
- اظهار العتب وعدم الرضى عن مستوى وطبيعة الموقف وردة الفعل التي أظهرها تيار المستقبل وزعيمه ازاء هذا التقرير الالماني والتعاطي معه على انه خبر صحافي لا يستحق التعليق والاكتفاء بالقول ان الاحتكام هو للمحكمة الدولية وما تقوله وتقرره وبما هو ليس كافيا لتبديد ما أثاره التقرير من شكوك وبلبلة، وبالتالي فإن التعاطي مع هذا الاتهام ليس في مستوى ما يمثله من خطورة كبيرة وما يشكله من «اتهام اسرائيلي» لحزب الله.
- توضيح و«تلطيف» ما قاله في خطاب 7 مايو «يوم مجيد» الذي جرى التعاطي معه، كما يعتبر، بشكل مجتزأ وأسيء فهمه وجرى استغلاله في الشحن المذهبي لأهداف انتخابية، نصرالله أصر على ان 7 مايو كان ردة فعل على قرارات 5 مايو وأوضح وذكر ان ما قصده بـ «يوم مجيد» هو لقطع طريق الفتنة والحرب الأهلية في بيروت وأوصل البلد الى الدوحة وأخرجه من المأزق، ولكن يبدو ان أمين عام حزب الله يقدم توضيحا اعتذاريا أو تراجعيا عندما يضيف الى «يوم مجيد» عبارة «يوم حزين وأليم»، وهو يفعل ذلك تحت وطأة الانتقادات وحالة التململ التي سادت إثر خطاب 7 مايو وحتى وخصوصا داخل الأوساط السنية الصديقة لحزب الله والمتحالفة معه والمعروفة بـ «سنة المعارضة»، والتي اعتبرت ان ما قاله السيد نصرالله قدم خدمة مجانية وثمينة للنائب سعد الحريري وزاد في التفاف الشارع السني من حوله، وتسبب بإحراج هذه القوى ازاء هذا الشارع.
3 - الرسالة الثالثة عشية الانتخابات كانت من نصرالله الى حليفه الأول العماد ميشال عون، وهي رسالة دعم من شقين: الاشادة المفرطة به، والدفاع عنه ورد الحملات التي يتعرض لها من خصومه «مسيحيي 14 آذار»، لم يسبق للسيد نصرالله ان شرح بهذه التفاصيل ظروف وطبيعة تحالفه مع التيار الوطني الحر وكيف تطورت العلاقة منذ العام 2005، ولم يسبق له ان أشاد بمثل هذين الوضوح والحجم بشخص العماد عون ومزاياه معتبرا ان «تجربتنا تقول إن العماد عون قائد لديه رؤية وبرنامج ومستقل بكل ما للكلمة من معنى فلا تأثير للسفارات عليه ولا يستطيع ان يملي عليه أحد شيئا على خلاف قناعته ورؤيته وهو عنيد أيضا وهذا الرجل شفاف وصادق في العلاقة لا يظهر شيئا ويضمر لك شيئا آخر، ليس لديه شيء تحت الطاولة ولا شي مخبأ في بطنه، يحب ان يحترم ويحترم الآخرين، وهو من أشد المخلصين للمسيحيين في لبنان ودورهم وكرامتهم ومستقبلهم، والاهم في هذا الرجل من زاوية معاييرنا في تقويم الرجل، انه وفي وشهدنا هذا الوفاء في موقفه في حرب يوليو، بكل صدق وجرأة ان وجود هذا القائد وهذا التيار هو ضمانة حقيقية للبنان الواحد الموحد وقيام الدولة القوية القادرة المسؤولة».
هذه الالتفاتة «الاستثنائية» في اتجاه العماد عون تعكس من جهة تقديرا واعترافا بأهمية عون ودوره المحوري والحاسم في الانتخابات وتقرير نتائجها ووجهتها، وتعكس من جهة أخرى شعورا لدى حزب الله بقوة الحملة والضغوط التي يواجهها عون في معركته الانتخابية الكبيرة على الساحة المسيحية والتي تكاد تنحصر تحت عنوان عريض هو «حزب الله: التفاهم الموقع معه، تغطية سلاحه، التغاضي عن خطورة وصوله الى السلطة اذا فازت المعارضة، ومعادلة ان عون يفوز وحزب الله يحكم ..الخ».
4 - السيد نصرالله يوجه أخيرا رسالة الى الرئيس ميشال سليمان، رسالة شكر وتقدير على موقفه الداعي الى جلسة لمجلس الدفاع الأعلى الذي عقد امس لمناقشة مواضيع المناورات الاسرائيلية الوشيكة والتدابير الوقائية، والشبكات الاسرائيلية المكتشفة، اضافة الى موضوع «أمن الانتخابات».
الرئيس سليمان كان، قبل خطوة مجلس الدفاع الأعلى، حرص في موقفه أثناء لقائه بنائب الرئيس الاميركي جو بايدن وبعد اللقاء على التركيز على مسألة الخروقات الاسرائيلية للقرار 1701 ومنها موضوع الشبكات، وعلى مسألة المناورات وما تبيته اسرائيل، وازاء تقرير الصحيفة الالمانية اتخذ الرئيس سليمان موقفا يعتبر فيه هذا التقرير مشبوها في توقيته وأهدافه.