بيروت ـ عمر حبنجر
الأصداء الإيجابية للتحرك الأميركي والأوروبي في بيروت تجاوزت التوقعات، فقد غابت أصوات النشاز التي صدحت طويلا خلال مرحلة الانتخابات لتحل محلها دعوات التهدئة والتعاون والتضامن بعيدا عن الشروط والرغبات التعقيدية.
قمة الايجابيات تمثلت في تواضع مختلف الأطراف على التسليم بضمانة الرئيس ميشال سليمان لجميع الحلول المطروحة، خصوصا على المستوى الحكومي، حيث لا ثلث معطلا ولا بيان وزاريا معرقلا للقرارات الدولية.
وإذا كان اختيار الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس مرة اخرى، قد بات أمرا محسوما، فإن رئاسة سعد الحريري للحكومة باتت مؤكدة ايضا، رغم وجود بعض التحفظات من جانب أطراف في الأكثرية الذين يقلقهم ما يسمعون من بعض أفرقاء المعارضة ممن باتوا يعبرون علنا عن الرغبة في وصول الحريري الى السراي الكبير، تمهيدا لحرقه سياسيا، وآخرون من ذات الخط يقلقهم ما يسمعون من توعدات بتصعيب تشكيل الحكومة، الى درجة التذكير، باعتذار الرئيس الشهيد رفيق الحريري عن تشكيل الحكومة الأخيرة التي سماه النواب لتشكيلها، بسبب غلاظة العصي التي وضعها النظام المهيمن في عجلات عربته.
العلاقة مع سورية
بيد ان الأجواء السائدة في لبنان والمنطقة، إضافة الى اختلاف الوجوه في بعبدا، بين الأمس واليوم، تجعل الخوف من ان يعيد الزمن نفسه فيه الكثير من المبالغة وفي هذه الخانة تصب تأكيدات الحريري على أهمية استفادة لبنان من العلاقات مع سورية في جميع المجالات. وشدد الحريري في تصريح للصحافيين عقب اجتماعه مع الرئيس ميشال سليمان على ضرورة «ان تكون الدولة هي المستفيد من العلاقات مع سورية وارى ان لبنان وسورية يستفيدان من العلاقة بينهما».
واضاف «المهم اين مصلحة لبنان العليا ومصلحة سورية العليا ويهمنا ما يفيد لبنان اقتصاديا وسياسيا وامنيا».
واكد ان فريق الـ 14 آذار الذي فاز بالأكثرية النيابية في الانتخابات الأخيرة يريد «جوا من الهدوء والتوافق والحوار والاعتدال في المواقف حتى نستفيد من الأجواء الاقليمية من حول لبنان».
وأوضح ان البحث مع سليمان تطرق الى موضوع الانتخابات مشددا في هذا الإطار على اهمية التمسك بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
وأكد الحريري اهمية الموقف اللبناني الجامع الرافض لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي ابلغه الرئيس سليمان والحريري الى المبعوث الأميركي الخاص لعملية السلام في منطقة الشرق الاوسط جورج ميتشل.
وردا على سؤال عما اذا كان سيترأس الحكومة المقبلة التي سيتم تشكيلها لم ينف الحريري ذلك لكنه قال «لا أحب ان استبق الأمور فهناك انتخاب رئيس مجلس النواب ونائب رئيس المكتب ومسؤوليتنا حماية اللبنانيين».
بدوره اعتبر وزير الداخلية زياد بارود انه بقدر ما يكون التوافق سائدا بقدر ما يعكس ذلك استقرارا على الأرض.
ولفت بارود الى ان ديموقراطية لبنان تفترض التوافق، وعن موضوع الموازنة العامة التي أقرها مجلس الوزراء ليل أمس الأول. قال ان هذا الموضوع لم يكن موضوعا تقنيا بل سياسي، مشيرا الى ان ما حصل في مجلس الوزراء أثبت ان عمل المؤسسات بدأ ينتظم.
ورأى بارود الذي استحق الكثير من الثناء على دوره في نجاح الانتخابات النيابية، ان رئيس الجمهورية وحده يستطيع ان يؤدي الدور الحاضن للتنوع السياسي، بمعزل عن الأكثرية والمعارضة.
وقال بارود: الرئيس لا يطالب بحصة له في الحكومة، وانما لكي يكون ضامنا للأمور يتعين وجود نوع من الشراكة ولاحظ ان المزاج المسيحي بدأ مع عملية تراكمية بدأت مع «اتفاقية القاهرة» مع منظمة التحرير عام 1969، عندما احسوا بأن الدولة بدأت تهرب من أيديهم.
حراك سولانا في بيروت
في غضون ذلك، واصل الممثل الاعلى للسياسة الخارجية الاوروبية خافيير سولانا لقاءاته في بيروت، والتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في دارته في مصيلح.
وكان سولانا التقى ظهرا رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وبحث معه الاوضاع العامة ثم التقى وزير الخارجية فوزي صلوخ، وعقد الرجلان مؤتمرا صحافيا اعرب فيه سولانا عن سروره بنتائج الانتخابات النيابية التي اظهرت النضج لدى الشعب اللبناني، آملا ان تفتح هذه الانتخابات صفحة جديدة من العلاقات مؤكدا وقوف الاتحاد الاوروبي الى جانب لبنان.
صلوخ اطلع سولانا على الخطوات التي يقارب بها اللبنانيون المرحلة المقبلة في جو من التوافق والحوار، في ظل الاستقرار السياسي. وقد أكد سولانا خلال جولته على الساسة اللبنانيين التزام الاتحاد بإحلال السلام في المنطقة بالتعاون مع المجتمع الدولي ومع الولايات المتحدة.
وأشار الى انه التقى أمس (الأول) في بيروت المبعوث الرئاسي الأميركي للسلام السيناتور جورج ميتشيل وسيجتمع به أيضا لاحقا لبحث سبل التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي في اطار المجتمع الدولي من أجل تجنيد كل الطاقات والجهود والارادات السياسية من اجل إحلال السلام في المنطقة. وشدد سولانا على مسؤولية كل دول المنطقة لخلق الشروط المواتية للسلام.
وردا على سؤال عن إمكانية ممارسة المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي ضغوطا على إسرائيل للانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، أكد سولانا اهتمام الاتحاد الأوروبي بهذا الموضوع منذ فترة طويلة، مشيرا إلى أن الاتحاد سيعمل مع الولايات المتحدة باتجاه السلام.
وفي موقف لافت التقى الموفد الاوروبي عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الحاج حسن في مجلس النواب، ممثلا عن حزب الله، وقبيل وصول سولانا في الثالثة والربع من بعد الظهر، رد الحاج حسن على اسئلة الصحافيين حول مغزى رغبة الممثل الاعلى للسياسة الخارجية الأوروبية في لقاء ممثل عن حزب الله فقال: يظهر أنهم يريدون رفع مستوى الكلام معنا.