منذ أن صدر قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991 والحكومة تتجه إلى التواصل مع المستثمرين واستقطابهم إلى سورية بهدف إقامة مشاريع اقتصادية وتجارية واستثمارية تساهم في دفع عجلة الاقتصاد السوري.
لكن المرسوم 8 لعام 2007 كما يرى المستثمرون عقّد الكثير من الأمور التي يسرها القانون السابق، عوضا عن ان يتدارك واضعو المرسوم 8 أخطاء ما سبقه.
بعيدا عن الكلام النظري وصحة هذا المرسوم أم ذاك فإن المستثمر هو الأقدر على وصف حال الاستثمار في سورية حيث يرى عضو غرفة التجارة والصناعة الألمانية محمد غنام وعضو غرفة تجارة دمشق، أن معوقات الاستثمار في سورية تتمثل في عدم وجود مرشد أو دليل استثماري، فالمستثمر يبحث بنفسه عن المشروعات المتوافرة في المناطق الاستثمارية.
أما المستثمر السعودي عبدالله الأيوبي فيرى أن أهم معوقات الاستثمار في سورية تتمثل في الروتين والبيروقراطية، والخلل في تنفيذ القوانين، حيث لايزال إلى الآن هناك عدم مرونة في تنفيذها، ولايزال هناك حذر من العديد من المستثمرين، موضحا أن المستثمر يحتاج إلى وقت كبير حتى يصل إلى طلبه.
البيروقراطية
وأكد الايوبي أن المناخ الاستثماري في سورية غير ناضج إلى الآن، وسورية والمستثمرون كلاهما في نفس الزورق، وكلاهما يطمحان إلى ما هو أفضل مما هو قائم، مشيرا إلى أنه إذا نجحت سورية في تحقيق العنصرين الأساسيين في عملية الاستثمار، وهما الوقت والمال، فإنها ستنجح في جذب المزيد من الاستثمارات الهائلة، لأن المستثمر لا يرغب في أن تستغرق معاملته وقتا كثيرا، وهو بحاجة إلى السرعة والمرونة في تنفيذ مشاريعه، فالمستثمر الذي يشعر بضياع الوقت أو أن معاملته ستستغرق عدة أشهر، فإنه سيتخوف من القدوم إلى سورية للاستثمار فيها.
بدوره المستثمر السعودي فيصل السعد يقول إن أبرز الصعوبات التي تواجه الاستثمار في سورية تتمثل في وجود قوانين بحاجة إلى التطوير هذا بالإضافة إلى البيروقراطية.
ومن النقاط التي أشار إليها السعد عدم وجود تنسيق بين الجهات المركزية في العاصمة دمشق والجهات الإدارية في المحافظات وعدم التنسيق ـ كما يرى السعد ـ يخلق مزيدا من العقبات.
الا انه رغم ما قد يبدو من سوداوية المشهد، إلا أن هناك بقعة بيضاء لا يمكن تجاهلها وهي توجه رؤوس الأموال إلى سورية هربا من ضربات الأزمة الاقتصادية العالمية والبحث عن بيئة بكر تنمو فيها هذه الاستثمارات، ولعل اللجوء إلى السوق الأقل تضررا بالأزمة هو الحل القائم أمام العديد من الشركات العالمية بمختلف اختصاصاتها. هذا ما عبرت عنه انجيلا مانثورب، مديرة تطوير الأعمال في شركة «أيداس» لتصميم البناء وتنمية المواقع الأثرية، مشيرة إلى أن وجود الشركة في السوق السورية هو الأول. وعن عمل الشركة في سورية، تشير مانثورب إلى أنها تخطط لمشروع كبير يتيح التواصل مع المستثمرين السوريين، كما أوضحت أن الشركة تمتلك تنوعا في المجالات العمرانية، وتهتم بعدة اختصاصات، كالقطاع الصحي والمواصلات والبناء والأبراج العالية والمتوسطة، وهي في طور دراسة مشاريع أخرى، مبينة أن الواقع الاستثماري في سورية اليوم مشجع، وحتى الآن لا يرون معوقات كبيرة تقف في وجههم بصفتهم مستثمرين.
لغة الأرقام
مشاريع الاستثمار الأجنبي المشمولة وفقا للبيانات التي صدرت عن الهيئة العامة للاستثمار تشير إلى أن الاستثمار الأجنبي يستمر في التنامي، فقد وصل عدد المشاريع الاستثمارية الأجنبية أو التي تحتوي على شركاء عرب أو أجانب والمشمولة بأحكام قانون تشجيع الاستثمار خلال الفترة (1991 – 2008) إلى 234 مشروعا، بتكلفة استثمارية للإجمالي وصلت إلى 692.7 مليار ليرة سورية، أي ما نسبته 43% من إجمالي قيمة التكلفة الاستثمارية للمشاريع المشمولة.
وبلغ عدد الدول المشاركة في استثمارات بسورية 38 دولة، وحافظ المستثمرون الأتراك على صدارة قائمة الاستثمارات الأجنبية الوافدة بـ 28 مشروعا، وتصدر المستثمرون العراقيون قائمة الدول العربية بـ 34 مشروعا ويليهم المستثمرون الكويتيون بـ 25 مشروعا ثم اللبنانيون بـ 23 مشروعا، فالسعوديون بـ 21 مشروعا.
وعزت هيئة الاستثمار ذلك إلى تبسيط وتحسين النظم والإجراءات المتعلقة بمعاملة الاستثمار وتعزيز جهود الترويج للاستثمار وخلق شبكة علاقات داخلية وخارجية من قبل الحكومة ورجال الأعمال السوريين تهدف إلى استقطاب المستثمرين وعودة الأموال السورية المغتربة، رغم إغفالها صافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر من التقرير.
أما بخصوص مشاريع الاستثمار الأجنبي المنفذة، فشهدت سورية استثمارات أجنبية كبيرة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، فقدرت الاستثمارات الإيرانية بحدود 60 مليون دولار، كما تجاوزت الاستثمارات التركية 50 مليون دولار في قطاعات مختلفة.
تدفق الاستثمار
ومما جاء في التقرير السنوي لمناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2005 والذي تصدره المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، أن ثماني دول عربية شهدت ارتفاعا في حصتها من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر سادسها سورية التي استقطبت 2.7 مليار دولار وحصة 9.9% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى الدول العربية.
وأشار تقرير هيئة الاستثمار لعام 2008 إلى أن عدد المناطق الحرة في سورية وصل إلى 8 مناطق، إضافة إلى المنطقة الحرة في حسياء ـ قيد التنفيذ ـ وبلغ مجمل الاستثمارات في المناطق الحرة السورية الثماني في عام 2000 نحو514 مليون دولار، وتطورت لتصل في عام 2008 إلى 777مليون دولار، وفي غضون ذلك وصل عدد العاملين في المناطق الحرة عام 2008 إلى 8959، وعدد الشركات الأجنبية المستثمرة في المناطق الحرة إلى 86 شركة أجنبية، وتطور عدد المنشآت من 610 منشآت عام 2000 إلى 1215منشأة في عام 2008.
كما بلغ إجمالي الاستثمارات السياحية الحالية والاستثمارات المستقبلية في نهاية عام 2008 ما يقارب 417.052 مليار ل.س بمعدل نمو سنوي وسطي 29.64% فيما بلغت قيمة الاستثمارات للمنشآت السياحية الموضوعة في الخدمة 198.388مليار ل.س في نهاية عام 2008 مقابل 143.409 مليار ل.س بنهاية عام 2004 بمعدل نمو سنوي وسطي 8.45% وكذلك بلغت قيمة الاستثمارات قيد الإنشاء في نهاية عام 2008 حوالي 218.664مليار ل.س بمعدل نمو سنوي وسطي 167.95%.
كما بلغ عدد فرص العمل المحققة من المنشآت السياحية في الخدمة وفقا لتقرير هيئة الاستثمار السورية 150.023 ألف فرصة عمل في نهاية عام 2008 مقابل 106.645 ألف فرصة حتى عام 2003 بمعدل نمو سنوي وسطي 7%، أما فرص العمل المحققة في قطاع البناء نتيجة المشاريع السياحية الجديدة، فقد بلغت في عام 2008 حوالي 35.151 ألف فرصة عمل مقابل 942 فرصة عمل في عام 2005 بمعدل نمو سنوي وسطي 302%.
الأرقام التي يقدمها القائمون على العمل الاستثماري في سورية، في مجملها متفائلة وتشي بواقع استثماري يسير بخطوات قوية نحو التطور، ورغم اعتراف الفريق الاقتصادي بمختلف مستوياته بوجود معوقات كبيرة تقف في وجه الاستثمار، إلا أن رئيس هيئة الاستثمار د. أحمد عبدالعزيز يرى أنه من الضروري رسم الصورة المتفائلة فيقول: أنا لا أوافقكم القول بأن معوقات الاستثمار في سورية كبيرة جدا، فيمكن تشبيه معوق الاستثمار بالألم الذي يصيب أحد أعضاء الجسم، فالإنسان لا يشعر إلا بهذا الألم، لأن جسمه كله سليم ماعدا مكان الألم، فالمعوقات ليست كبيرة وإنما موجودة ويجب معالجتها، علينا ألا ننظر إلى النصف الفارغ من الكأس، بل علينا النظر إلى الجزء الممتلئ منه، وحول حجم الاستثمارات وأرقام الهيئة في هذا المجال، يشير عبدالعزيز إلى أنه منذ بداية عام 2009 حتى 12/ 5/2009 كان لدينا 97 مشروعا مشمولة بقيمة 160 مليار ليرة سورية بالمقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، كان لدينا 86 مشروعا بقيمة 95 مليار ليرة سورية وهذا مؤشر إيجابي على أن الإقبال مستمر ومتزايد، مؤكدا أن هيئة الاستثمار مسؤولة عن الأرقام التي تصدر عنها، مضيفا أن هذه الأرقام 100% صحيحة، وأي رقم يصدر من أي جهة نحن غير مسؤولين عنه، وأي رقم يأتي من الهيئة نحن مسؤولون عنه.
نقاط الضعف
الا ان تقرير هيئة الاستثمار السورية كشف أن نقاط الضعف في مناخ الأعمال تجلى في بعض العقبات الإدارية التي لايزال يعاني منها المستثمرون في الحصول على التراخيص الإدارية. وذلك يعود إلى تعدد الإجراءات الخاصة بالأعمال أمام المستثمر ووجود حلقات من الروتين الذي بدأت تضعف وطأته شيئا فشيئا بحسب التقرير وهو ما يرتب زيادة في التكاليف ويستهلك المزيد من الوقت.
إضافة إلى ضعف التمويل بالنسبة للمشروعات الصناعية فالتمويل الذي تقدمه المصارف الحكومية المتخصصة يتطلب شروطا وضمانات إضافية مرهقة، أما المصارف الخاصة فجاهزيتها في هذا المجال لاتزال محدودة. وبين التقرير أن سورية سلكت نهجا جديدا في التفكير ومجاراة الممارسات الدولية في مجال تشجيع الاستثمار وبناء صورة تظهر ميزات موقعها بين من يتنافسون على اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر وأهمية تطوير جميع المواد التسويقية والدعائية الحالية وضرورة تمكين هيئة الاستثمار الجديدة من تنفيذ استراتيجية متماسكة مرتبطة بالأولويات الوطنية وتملك المرونة لاستيعاب التغير حسب الحاجة وتآزر جهود مختلف الجهات الحكومية والمنظمات الأهلية لإنجاح خطتها التسويقية وخدمة النافذة الواحدة إلى جانب التدريب المكثف والمستمر وحضور الأنشطة الدولية.
صفحة شؤون سورية في ملف ( pdf )