بدأت ترتسم معالم مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، خاصة على صعيد مؤتمر الحوار الوطني، بعد أن لمس رئيس الجمهورية ميشال سليمان وجود إرادة إجماعية لبنانية ودعم دولي وعربي لاستمرار الحوار برعاية رئاسة الجمهورية، في وقت تكثر التساؤلات عن شكل الحوار في نسخته الثانية بعد الانتخابات وما اذا كان سيستمر أم انه كباقي بنود اتفاق الدوحة انتهت مفاعيله بعيد انتهاء الانتخابات، فإذا كان فريق الموالاة ينادي بـ «دفن» اتفاق الدوحة مباشرة بعد الانتخابات، فطاولة الحوار تصبح هي أيضا معرضة لأن «تدفن» الا اذا كان من المسموح انتقاء البنود المطروحة في الاتفاق الذي تم توقيعه في قطر، فعندها يجب الالتقاء مجددا على شروط جديدة لطاولة الحوار، وتاليا يجب تحديد المشاركين والمواضيع المدرجة.
وفيما يرى كثيرون ان العقدة الأساسية التي تعترض الحكومة الجديدة وتشكيلها في وقت سريع هي عقدة التمثيل المسيحي الموزع على أربعة محاور: الرئيس ميشال سليمان، العماد ميشال عون، محور القوات - الكتائب، ومحور الحريري - جنبلاط، ثمة من يرى أيضا ان من المشاكل الأساسية التي ستبرز عند اعادة طرح موضوع طاولة الحوار الوطني مشكلة التمثيل المسيحي في ضوء نتائج الانتخابات والتغييرات التي حصلت.
من حيث المبدأ لا مشكلة على مستوى التمثيل الماروني، فالعماد ميشال عون، والرئيس أمين الجميل، ود.سمير جعجع عائدون الى طاولة الحوار، أما بالنسبة الى النائب بطرس حرب الذي كان يمثل على طاولة الحوار ما يعرف بـ «قرنة شهوان» فإن عودته الى الحوار ليست محسومة لأنه يدخل الى مجلس النواب مجددا من دون أي رفيق سابق من «قرنة شهوان» الذين خسروا المعارك الانتخابية أو هم لم يترشحوا أصلا لها، وترجح مصادر ان يحل زعيم تيار «المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية مكانه، لأن فرنجية يشكل مع اسطفان الدويهي وسليم كرم، ومع اميل رحمة كتلة نيابية من أربعة نواب. اما التمثيل الأرثوذكسي فسيطرأ عليه تعديل كامل، فالنائب غسان تويني لن يعود الى طاولة الحوار بعدما أعطى مقعده النيابي لحفيدته الزميلة نايلة تويني، ويرجح ان يحل مكانه نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري العائد الى ساحة النجمة مع عضوين أرثوذكسيين من دائرة الكورة حيث التمثيل الأرثوذكسي الواسع والصافي، ويبقى النائب ميشال المر الذي كان عضوا في مؤتمر الحوار وعودته قد تكون واردة الى الطاولة من جديد اذا ما شكل مع حفيدته نايلة تويني ثنائيا أرثوذكسيا متضامنا.
وهنا يطرح التمثيل الكاثوليكي تبدلا جذريا مع خروج الوزير ايلي سكاف من طاولة الحوار، بعد غيابه عن الندوة البرلمانية ممثلا لزحلة، ومن المتوقع ان يحل مكانه الوزير السابق والنائب العائد الى مجلس النواب ميشال فرعون، لأن بيروت تحل كاثوليكيا في المرتبة الثانية بعد زحلة، الا اذا طالب الوزير السابق نقولا فتوش ان يمثل الكاثوليك في طاولة الحوار على أساس انه دخل مجلس النواب من جديد ومعه نائب كاثوليكي ثان من زحلة هو أنطوان أبوخاطر، الا ان ثمة من يرى ان فرعون يمكنه ان يمثل كاثوليك بيروت والشوف في مواجهة مطالبة محتملة للنائب العماد عون بالتمثيل الكاثوليكي على طاولة الحوار، لان التيار الوطني يضم نائبين كاثوليكيين هما ادغار معلوف (المتن) وعصام صوايا (جزين)، وهو متحالف مع الحزب القومي الذي يمثله نائب كاثوليكي هو مروان فارس في بعلبك الهرمل، ومع الرئيس نبيه بري الذي تضم كتلته نائبا كاثوليكيا هو النائب ميشال موسى، أي ان المعارضة لديها تمثيل كاثوليكي أوسع في المتن وبعلبك الهرمل وجزين، وستبرز صعوبة اختيار الممثل الكاثوليكي نظرا للتعادل في توزيع النواب الكاثوليك الثمانية على المعارضة والموالاة على حد سوء (4 ـ 4).
والوضع نفسه سيواجه التمثيل الأرمني على طاولة الحوار، ذلك ان النواب الأرمن الستة ليسوا من كتلة واحدة، فتمثيل حزب الطاشناق والحلفاء مقتصر على نائبين فقط، واحد في المتن الشمالي والثاني في دائرة بيروت الثانية (توافقي)، في حين تتمثل الموالاة بأربعة موزعين كالآتي: 2 في بيروت الأولى، وواحد في بيروت الثانية (توافقي)، ورابع في زحلة، وتتمسك الموالاة بان يكون التمثيل الأرمني من صفوفها، وهو ما سيرفضه حزب الطاشناق مع حلفائه في المعارضة، لأن التمثيل الأرمني في المجلس الحالي كان مماثلا 4 ـ 2 ولم يقبل الطاشناق الا بحضور ممثلهم النائب آغوب بقرادونيان على طاولة الحوار الرئاسية، بينما كان يتم مداورة مع أرمن الأكثرية عندما كان الحوار يجري في مجلس النواب.
وتتوقع مصادر ان يشهد التمثيل على طاولة الحوار «شد حبال» بين المعارضة والأكثرية، مما سيؤخر عملية انطلاقتها، خصوصا اذا ما تأخر تشكيل الحكومة العتيدة ولم يعرف رئيسها الذي اعتبر رئيس الجمهورية حضوره ضروريا لاستئناف الحوار. وتعكف دوائر القصر منذ الآن على وضع آلية جديدة لتشكيل طاولة الحوار، وعلى وضع معايير يصار الى اعتمادها لتحديد الأشخاص الذين سيشاركون فيه، ويفضل بعض القيادات ان يبقى التمثيل من خلال المجلس وليس من خارجه لئلا تدب الفوضى في اختيار الأشخاص، على ان يتم وضع أسلوب جديد للطاولة التي قد تعقد اجتماعات دورية كل شهر، ويقترح البعض ان تشكل أمانة عامة للحوار، وان يصار الى تحويل طاولة الحوار الى مؤسسة، الأمر الذي يعترض البعض عليه لأنه ينعكس سلبا على المجلس وتحل طاولة الحوار محله.