طويت صفحة الانتخابات وتفتح ابتداء من هذا الأسبوع صفحة الاستحقاقات السياسية التي تليها وهي: رئاسة المجلس النيابي الجديد، رئاسة الحكومة، تشكيل الحكومة الجديدة، اعداد البيان الوزاري والثقة النيابية، استئناف الحوار الوطني. وتحضيرا لهذه الاستحقاقات «الداهمة» بدأت عملية اتصالات سياسية مكثفة في الداخل تواكبها حركة اتصالات ورعاية اقليمية ودولية.
وما استرعى الانتباه في حركة المواقف الداخلية وجود فوارق وتباينات داخل فريقي الأكثرية والمعارضة، مع ملاحظة ان التباين في وجهات النظر حاصل داخل كل فريق بين المجموعة المسيحية فيه والحليف «المسلم» (الحليف السني في الأول والحليف الشيعي في الثاني)، ومازال الوقت باكرا لتحديد ما اذا كان هذا التباين يندرج في اطار «توزيع أدوار» في لعبة المفاوضات وتحسين الشروط، أم هو مؤشر الى مرحلة اعادة خلط الأوراق السياسية بما يؤدي الى «كسر» حدة الفرز السياسي القائم على معسكري 8 و14 آذار لمصلحة توازن سياسي جديد.
فعلى صعيد فريق المعارضة: يبرز بوضوح منحى التمايز الذي يسلكه الرئيس نبيه بري الذي بادر ومن دون انتظار حلفائه وبالتنسيق مع النائب وليد جنبلاط الى صياغة اطار المرحلة المقبلة والخط العريض لترتيباتها السياسية على أساس حسم رئاسة المجلس له وان تكون رئاسة الحكومة للنائب سعد الحريري، وان يصار الى تشكيل حكومة شراكة ووحدة وطنية ولكن ليس بالضرورة على أساس «الثلث المعطل»، وان يعطى حزب الله ضمانا فيما يتعلق بسلاحه لاسيما في متن البيان الوزاري. والتباين داخل فريق المعارضة ظهر جليا في موضوعين:
- رئاسة الحكومة التي حسمها بري للحريري مستندا الى نتائج الانتخابات النيابية، ولقي تأييدا فوريا لموقفه من حزب الطاشناق الذي يعتمد على بري كثيرا في مسألة استعادة موقعه على طاولتي مجلس الوزراء والحوار الوطني، ومن الحزب القومي المهتم بالاحتفاظ بموقعه الحكومي. فيما يعارض فرنجية وصول الحريري الى رئاسة الحكومة لأسباب شخصية بسبب المحاربة التي تعرض لها من الزعيم السني في الشمال (زغرتا والكورة) وكادت ان تكتسب طابع الالغاء السياسي.
فيما يميل حزب الله والعماد عون الى تأييد مشروط للحريري، فيكون القبول به رئيسا للحكومة رهنا بما سيعرضه وبطبيعة ومضمون الاتفاق السياسي الذي سيبرم معه ويشمل المسائل المهمة (سلاح المقاومة) والأقل أهمية (التمثيل الحكومي وتوزيع السلطة، خصوصا لجهة اعطاء المعارضة حقائب أساسية ومهمة).
- الحكومة الجديدة في صيغتها وتركيبتها والأساس الذي ستقوم عليه، فمن الواضح ان هناك اتجاها لدى الرئيس بري يقضي بإنجاز «اتفاق سياسي» بين المعارضة والأكثرية بعيدا عن الأرقام، بمعنى ان الحوار والاتفاق السياسي يجب ان يتقدما على اعتبار توزيع الأرقام والحصص، وان الاتفاق السياسي يغني في حال التوصل اليه عن الثلث المعطل أو الضامن لفريق المعارضة، وتكون الحكومة التي يعطى فيها رئيس الجمهورية دورا فاعلا ضمانة للجميع.
اما داخل فريق الأكثرية فبرز خلاف في وجهات النظر حول موضوعين أو بندين أساسيين:
- رئاسة المجلس النيابي التي حسمها جنبلاط باكرا للرئيس نبيه بري بحكم العلاقة الشخصية والسياسية معه، وأيضا بسبب «البراغماتية السياسية» التي تملي السير بالمرشح الوحيد لرئاسة المجلس الذي لا منافس له، وبما ان جنبلاط بات يملك «الكتلة الوسطية» في المجلس الجديد وموقفه هو المرجح، فإنه أنهى عمليا معركة رئاسة المجلس أيا يكن موقف حلفائه في 14 آذار، وهو موقف يتأرجح بين قبول حذر من كتلة المستقبل واعتراض شديد من الفريق المسيحي في 14 آذار الذي تقوده وتعبر عنه بعد الانتخابات «ثنائية جعجع - الجميل».
- عملية المفاوضات وصياغة التفاهمات والترتيبات مع فريق المعارضة: فمن ناحية الشكل يبدي «مسيحيو 14 آذار» تململا ازاء توجهات ترسم غير منسقة معهم وليسوا في أجوائها بحيث تكاد دائرة القرار في فريق الأكثرية ان تنحصر بين الحريري وجنبلاط، ومن ناحية الطريقة المتبعة، هناك تحفظ على اتاحة المجال أمام المعارضة لاستعادة زمام المبادرة، بحيث تصبح الأكثرية في موقع المتلقي ورد الفعل، ومن ناحية المضمون هناك اعتراض على مجاراة الأكثرية لسياسة الخطوة خطوة التي تنتهجها المعارضة، فيما المطلوب ابرام اتفاق متكامل يشمل رئاستي المجلس والحكومة وتأليف الحكومة، ويضمن وحده عدم العرقلة واعادة تكوين السلطة مجتمعة خصوصا ان الشكوك ما تزال قائمة بنوايا واستعدادات المعارضة.