عاد الرئيس نبيه بري الى منصة رئاسة المجلس بأكثرية واضحة وبرقم نيابي مماثل للرقم الذي أحرزه في العام 2005 (90 صوتا)، وهذه «العودة» التي تفرضها ضرورات وطنية واعتبارات سياسية واقعية تجعل من بري «رئيس أمر واقع» تنطوي على الأبعاد والمعاني السياسية التالية:
نبيه بري هو «الثابت الوحيد» في معادلة الحكم وفي مرحلة ما بعد الطائف منذ 20 سنة تقريبا. كل الرئاسات والمراكز الأساسية العليا في الدولة عرفت تغييرا و«تداولا في السلطة» ما عدا رئاسة مجلس النواب الثابتة رغم كل المتغيرات وعلى مر كل العهود المتعاقبة وفي عهد الوصاية السورية وبعدها. وهذه الاستمرارية مردها بشكل أساسي الى الرئيس بري نفسه الذي اتقن قواعد اللعبة ونسج العلاقات وادارة التناقضات واللعب عليها.
بري يعود رئيسا للمجلس بدعم من قطبي الأكثرية: الحريري وجنبلاط. ولكن الفضل الأساسي يعود الى جنبلاط الذي «بكر» في حسم الموقف متجاوزا كل التحفظات والاعتراضات التي صدرت عن حلفائه في 14 آذار، لاسيما القيادات المسيحية وشخصيات بارزة في تيار المستقبل، وعاملا بنجاح على اقناع النائب سعد الحريري بأهمية وحتمية المضي في دعم خيار بري من دون مساومة ومن دون شروط، لأسباب كثيرة تتجاوز مسألة ان بري هو المرشح الوحيد للمنصب ويحوز شبه اجماع شيعي لا يمكن القفز فوقه، الى كون بري يشكل حتى في ذروة الصراع ضمانة للحوار الوطني والاستقرار الداخلي إضافة الى ان معادلة الحكم لا تستقيم ولا تستقر الا على أساس التوازن والتوازي بين رئاستي المجلس والحكومة ومراعاة كل طائفة من الطائفتين السنية والشيعية لواقــع الطائفــة الأخــرى ومن تريده ممثلا لها في الحكم.
وبهذا المعنى يكون وصول بري الى رئاسة المجلس مقدمة «وممرا الزاميا» لوصول الحريري الى رئاسة الحكومة.
الرئيس بري هو مرشح المعارضة التي لم يكن لها مرشح لرئاسة الجمهورية من صفوفها، فيما وجود مرشح لها لرئاسة الحكومة كان يتوقف على فوز واضح لها في الانتخابات وهذا ما لم يحصل.
الرئيــس بــري مدرك انه آن أوان لتركيــب معادلــة قويــة وثابتــة فــي الحكــم للسنــوات الأربع المقبلة، وان ظروف ما بعد انتخابات 2009 مختلفة عن ظروف ما بعد 2005: الرئيس سليمان في موقع ودور مختلف تماما عما كان فيه الرئيس السابق اميل لحود وهو يتمتع بدعم دولي وعربي، و»الرئيس» سعد الحريري ليس الرئيس فؤاد السنيورة، والأمر ليس مطروحا هنا من زاوية «الأصيل والوكيل» وانما من زاوية ان الحريري يصل الى السرايا قويا و«على حصان أبيض».
من الواضح ان بري يتملكه «حنين سياسي» الى أولى مراحل الطائف ويتطلع الى اعادة انتاج المعادلة التي كانت أيام الرئيس الياس الهراوي والى اعادة احياء العلاقة التي كانت تجمعه بالرئيس رفيق الحريري مع نجله ووريثه «الرئيس» سعد الحريري، ولكنه يعرف ان سليمان ليس الهراوي وان حزب الله المقاوم انخرط في اللعبة السياسية، وان عون يظل «حليف حليفه» حتى اشعار آخر.