الجلسة النيابية الأولى المخصصة لانتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتبه لم تكن وفق ما هو مخطط ومرسوم لها، الرئيس نبيه بري عاد رئيسا للمجلس ولكن ليس بالحجم الذي كان يتوقعه ويريده وهو تجاوز عتبة المئة صوت، نائب الرئيس فريد مكاري بدوره عاد الى موقعه ولكن بأصوات الأكثرية فقط ومقاطعة شبه كاملة للمعارضة في رد مباشر وفوري على ما اعتبر نكوصا بالالتزام الذي قطعه النائب سعد الحريري للرئيس بري بأن تصوت له كتلة المستقبل، هيئة مكتب المجلس تشكلت ولكن ليس على أساس توافقي جرى التفاهم عليه بين بري وجنبلاط بحيث يكون تمثيل لكتل المعارضة، وانما تمت «محاصرة» رئيس المجلس بمكتب جديد «متشدد» من صقور الأكثرية ولم يفلح بري الا في «تمرير» النائب ميشال موسى بمساعدة من جنبلاط الذي امتنع عن التدخل في عملية انتخاب أمين السر لتدور معركة بين النائبين أنطوان زهرا وآلان عون بعدما أصبح النائب مروان حمادة خارج المنافسة بحصوله على أصوات كتلة بري في حين ان مرشح تكتل التغيير والاصلاح لم يحصل على أي صوت من نواب الأكثرية وتحديدا كتلة جنبلاط الذي يجيد لعبة الايقاع وتعميق أزمة الثقة بين بري وعون، وهكذا فإن «جلسة الافتتاح» جاءت دون المستوى المطلوب ودون المناخ التوافقي المرتقب، واحتوت على كمية من التناقضات: الفكاهة الانتخابية السوداء والأوراق الاعتراضية البيضاء، ابتسامات صفراء ووجوه متجهمة، أقوال «التوافق وتصفية النيات» وأفعال «التواجه وتصفية الحسابات» الخ.
مهما يكن من أمر ما حصل وأسبابه، وما اذا كان يعود الى ثغرات في ادارة الجلسة أو في تقدير اتجاهاتها مسبقا، أو انه من رواسب وآثار المعركة الانتخابية التي لا تزال ماثلة ويصعب تخطيها بسهولة وسرعة، فإنه عكس انطلاقة متوترة للمرحلة الجديدة وأعطى مؤشرا أوليا على استمرار «أزمة ثقة» كامنة بين أطراف الصراع والى صعوبات ومشاكل تعترض المسار الحكومي والسياسي لاحقا بعدما تكون «قوة الدفع» الناجمة عن الانتخابات والتي حسمت رئاستي المجلس والحكومة توقفت عند هذا الحد، وهنا تبدأ المعركة الفعلية، معركة تشكيل الحكومة، وهنا تكمن المشكلة الفعلية وهي مشكلة أزمة الثقة المتجددة والصراع السياسي المستمر الذي عرف «استراحة محارب» وهدوءا قصيرا كان لأسابيع «هدوء ما بين عاصفتين»: عاصفة الانتخابات التي ولت وعاصفة الحكومة التي على وشك ان تبدأ.
«الرئيس المكلف» سيكون سعد الحريري وبأكثرية نيابية موازية للأكثرية التي حصل عليها الرئيس بري، أي دون المئة صوت، ليفتح ابتداء من لحظة دخول الزعيم الشاب نادي رؤساء الحكومات باب الأسئلة المتلاطمة في وسط أجواء الحذر والغموض والمعطيات غير المكتملة، ومن أبرزها:
هل التفاهم السوري السعودي الذي يبدأ من حيث انتهى اتفاق الدوحة مكتمل في ظروفه وعناصره ويشمل الحكومة الجديدة؟
هل الموقف السوري «غير الممانع» لتسلم الحريري رئاسة الحكومة يمكن ان يتوسع الى موقف مسهل في عملية تشكيل الحكومة؟
هل المعارضة مستعدة للتخلي عن «الثلث المعطل»؟ واذا دخلت استشارات التكليف غير موحدة (بري ملتزم تجاه الحريري بتسميته)، هل تدخل عملية التأليف موحدة وعلى أي أساس؟
هل الحريري باق على موقفه بعدم اعطاء الثلث المعطل في مطلق الأحوال وأيا تكن الضغوط؟
هل يكون اللجوء الى رئيس الجمهورية كـ «رئيس وازن ودور مرجح» مخرجا وتسوية.