في موازاة الاستشارات النيابية التي كان يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري في بيروت، وهي استشارات شكلية صورية غير ملزمة، كانت تدور مشاورات سورية سعودية في دمشق حول لبنان وعملية اعادة تشكيل السلطة وتوزيعها فيه، سيكون لها دور أساسي في تحديد اتجاهات الوضع وتشكيل حكومة الحريري الأولى، وهذه المشاورات التي تجري في اطار تفاهم سوري سعودي سابق للانتخابات وتطبيقا له، ستتوج خلال شهر يوليو بزيارة للملك عبدالله بن عبدالعزيز الى دمشق، تليها زيارة للرئيس سعد الحريري بعد تشكيل الحكومة ونيلها الثقة، وبين الزيارتين تكون زيارة للرئيس نبيه بري الى المملكة السعودية.
مصادر سياسية واسعة الاطلاع تقول ان الاتفاق السوري السعودي حول لبنان الذي تم التوصل اليه قبل الانتخابات تضمن النقاط والبنود التالية:
عدم التدخل في الانتخابات النيابية وترك الأمور تأخذ مجراها التنافسي الداخلي.
أيا تكن نتائج الانتخابات، تشكيل حكومة وحدة وطنية يعطى فيها الفريق الخاسر «حصة وازنة».
الفصل تماما بين المحكمة الدولية ومسألة العلاقات السورية اللبنانية.
وقف كل أشكال الحملات السياسية والاعلامية في لبنان ضد سورية على ان يشمل ذلك كل قوى 14 آذار.
وقف الحملات ضد المملكة السعودية التي كان تشن من قبل حلفاء سورية في لبنان.
خلو لبنان من أي تواجد للمعارضة السورية واتخاذ الاجراءات التي تكفل عدم تحوله مقرا أو ممرا للارهاب والتطرف ضد سورية.
تشجيع عملية التنسيق الأمني بين لبنان وسورية عبر جيشي البلدين لمكافحة الارهاب والتطرف وضبط الحدود.
دعم مشترك لكل الجهود الآيلة الى تثبيت الاستقرار اللبناني على المستويين السياسي والأمني.
حصل هذا الاتفاق الأولي بعد قمتي الكويت والدوحة وقبل الانتخابات النيابية، وفي اطاره وتحت تأثيره، حصلت أمور وتطورات كثيرة من عودة التنسيق الأمني الى مستوياته السابقة بين لبنان وسورية، والى مغادرة معارضين سوريين أرض لبنان وتسليم آخرين، الى فتح قنوات حوار بين النظام السوري وجماعة الاخوان المسلمين ما أدى الى انفراط عقد جبهة الخلاص السورية المعارضة، الى اطلاق الضباط الأربعة بما يضمن عدم ارسالهم أو استدعائهم الى لاهاي، الى مهادنة 14 آذار للنظام السوري وتوقف الحملات ضد السعودية في فترة الانتخابات عندما كانت شكوى المعارضة لا تتجاوز مقولة «المال السياسي».
وبعد الانتخابات النيابية، وفي ظل المفاجأة التي حملتها بفوز فريق 14 آذار بالاكثرية وبشكل فاق التوقعات وفرض وصول الشيخ سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، استؤنفت الاتصالات السورية السعودية بشأن مرحلة ما بعد الانتخابات وبهدف اكمال الاتفاق ليشمل ترتيبات هذه المرحلة بعدما كان اتفاق الدوحة تولى هذه المهمة على امتداد عام، وفي خلال هذه الاتصالات التي تولتها جهات سياسية وأمنية رفيعة المستوى من البلدين، تمحور الموقف السعودي حول النقاط التالية:
-
استكشاف الموقف السوري من مسألة تولي النائب سعد الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية.
-
دعوة دمشق الى تسهيل مهمة الحريري والمساعدة في عملية الحكومة الجديدة، بما يؤدي الى تشكيلها بسرعة وانطلاقتها بزخم.
-
تدخل دمشق لدى حلفائها في لبنان وممارسة تأثيرها ونفوذها لتليين موقف المعارضة وتقديم تنازلات سيما ما يتعلق بمسألة «الثلث المعطل».
-
دعوة سورية الى مزيد من خطوات الانفتاح والتطبيع في العلاقات مع لبنان تشمل بعد اتمام خطوة العلاقات الديبلوماسية الغاء المجلس الأعلى اللبناني ـ السوري، وترسيم الحدود انطلاقا من مزارع شبعا، وإغلاق القواعد العسكرية الفلسطينية خارج المخيمات.
أما الموقف السوري في هذه «الاتصالات المفاوضات» فقد تمحور حول النقاط التالية:
-
دمشق لا تمانع ولا تعارض تولي الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية، لا بل ترحب بهذا التطور وترى فيه مصلحة للعلاقات اللبنانية ـ السورية بما يساعد على إزالة رواسب وآثار المرحلة الماضية التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
-
سورية لا تتدخل في عملية تشكيل الحكومة مثلما انها لم تتدخل في الانتخابات النيابية، وليست في وارد ممارسة ضغوط على حلفائها، فهم أدرى بشؤونهم ومصالحهم، مع التذكير بأن سورية خرجت من لبنان وتأثيرها على أطراف المعارضة لم يعد قويا، ومع النصح بضرورة مراعاة مواقف كل الأطراف المؤثرة وما تطلبه من ضمانات لقيام حكومة وحدة وطنية وحدها تحظى بدعم دمشق.
-
الموقف من الحريري وحكومته يتحدد لاحقا في ضوء الطريقة التي سيتعاطى بها مع سورية واستعداده لتجاوز الأمور الشخصية والذهاب الى دمشق، وفي ضوء موقفه من مسائل جوهرية أساسية مثل العلاقات اللبنانية ـ السورية ودعم المقاومة.
-
العلاقات اللبنانية ـ السورية تحكمها المعاهدة الموقعة بين البلدين. أما الشكوى من اتفاقات معقودة وغير متكافئة، فإن دمشق منفتحة للبحث بها ومراجعتها للإلغاء أو التعديل، اذا أرادت الحكومة اللبنانية ذلك. وأما الغاء المجلس الأعلى كإطار ينظم العلاقات، فإنه أمر يتقرر بين لبنان وسورية بعدما تكون العلاقات أرسيت على نحو سليم وثابت.
-
مسألة ترسيم الحدود واغلاق المعسكرات الفلسطينية سبق لسورية ان أبلغت موقفها في هذين الموضوعين في أثناء اللقاءات التي جرت بين الرئيسين اللبناني والسوري. وفحوى هذا الموقف ان السلاح الفلسطيني هو جزء من حوار لبناني (الحكومة) فلسطيني (الفصائل) ويشمل كل نقاط ونواحي العلاقات اللبنانية الفلسطينية التي لا دخل لسورية بها، وان ترسيم الحدود مستعدة له سورية ابتداء من الشمال وباستثناء مزارع شبعا ما دامت واقعة تحت الاحتلال الاسرائيلي وتسوية وضعها تدخل ضمن التسوية الشاملة في المنطقة.
هذه هي الخطوط العريضة والعامة للاتصالات والتفاهمات بين سورية والسعودية التي يفترض انها واصلة الى «نهاية سعيدة» من دون ان يلغي مسار الانفراج والتفاؤل تساؤلات واقعية عن المؤثرات الأخرى في المنطقة: ماذا عن اسرائيل وخططها مع حكومة نتنياهو المتطرفة؟ ماذا عن ايران وسلوكها السياسي بعد تجربتها الداخلية وشكواها من تدخلات خارجية؟ ماذا عن مصر التي تقيم ربطا في علاقتها مع سورية بين الملفين اللبناني والفلسطيني؟ وماذا عن خطة واتجاهات ادارة أوباما بعد الاخفاقات والإحباطات الاولى في ايران واسرائيل؟