بيروت ـ عمر حبنجر
الطقس الطبيعي في لبنان حار للغاية في هذا الوقت الصيفي بخلاف الطقس السياسي المتجه نحو الاعتدال، رغم بعض الخروقات الموضعية بتأثير صفاء الجو العربي، وخصوصا بين الرياض ودمشق حيث تجري عملية حياكة الحكومة اللبنانية العتيدة على منوال التهدئة الدولية.
وفي هذا السياق اشاد مجلس المطارنة الموارنة في اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك صفير بالانتخابات النيابية التي جرت في السابع من الشهر الماضي، وأمل ان تكون خطوة متقدمة على طريق ممارسة الديموقراطية بشكل اوفى واسلم، لافتا الى انه يبقى الآن استقرار الرأي على تمكين دولة الرئيس المكلف من تأليف حكومة تؤمن صيغتها تدبير شؤون البلد بحكمة وحزم، واخراجه من حالة التشرذم ومعالجة الازمة الاقتصادية الخانقة.
وشكر المطارنة الموارنة الله على نجاح الانتخابات في يوم واحد.
قصة وزير الدفاع
وبالعودة الى الاستحقاق الحكومي تابع امس الرئيس المكلف سعد الحريري اتصالاته لبلورة صورة الحكومة المقبلة، وسط اجواء اقل تعقيدا من ذي قبل، غير ان اعلان حزب الله حمل امس على زيارة الجنرال الاميركي بترايوس الى لبنان وجولته على الرؤساء والقيادات اللبنانية حاملا ورقة الابتزاز المكشوفة بتقديم المساعدات للجيش لغاية في نفس واشنطن وهي الابقاء على الوزير الياس المر على رأس وزارة الدفاع. والجدير ذكره ان وزارة الدفاع هي احدى الوزارات السيادية الأربع التي يجري تداولها بين الطوائف اللبنانية الاربع الرئيسية وهي الموارنة والسنة والشيعة والارثوذكس. والوزارات الأخرى الثلاث هي الداخلية والخارجية والمالية.
وبهدوء وروية يعمل الرئيس المكلف سعد الحريري على حل الكلمات الحكومية المتقاطعة متعاونا مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي يهتم اكثر ما يهتم بأن تكون الحكومة المقبلة ميثاقية، اي ملتزمة بمقومات العيش الوطني المشترك دون استثناء اي فئة او طائفة.
صيغة مطروحة
وتدعم الاكثرية التوجه نحو تمكين الرئيس سليمان بناء على حصة وزارية داخل الحكومة كي يتسنى له لعب دور الضامن لمصلحة كل الاطراف، وهذا ما يرجح الاخذ بصيغة 14 وزيرا للأكثرية و10 للأقلية و6 للرئيس يريد اختيارهم من المستقلين عن القوى الحزبية والسياسية الأخرى، ودون ان يكونوا مدينين بالولاء لأي من المراجع السياسية.
القمة العربية
على أي حال، لا يبدو في بيروت ان صناعة الحكومة الراهنة محلية بنسبة معقولة بدليل التشغيل الواضح للمطابخ السياسية في الرياض ودمشق والقاهرة حتى ان الرحلة الاخيرة لوزير الثقافة والاعلام السعودي الى بيروت د.عبدالعزيز خوجة حملت الى جانب نقل اجواء الاتصالات السعودية – السورية ملح التحضير لقمة لبنانية - سعودية - سورية في دمشق يوم 16 يوليو الجاري. وقد تعاطت الصحف المحلية مع هذه المعلومة بتفاوت، فقد احتلت صدارة «النهار» بينما تعاملت معها صحف المعارضة كالسفير والاخبار بحذر انعكس تقليصا لمساحته، والمعلومة التي جرى تداولها على نطاق ضيق منذ شهر تقريبا في بيروت قال مصدر سياسي مطلع لـ «الأنباء» انها قد تكون المفاجأة المنتظرة التي يتوقعها الكثيرون.
الى ذلك افاد مصدر واسع الاطلاع لـ «الأنباء» بان «لا عوائق مستحيلة التذليل امام اتضاح التركيبة الحكومية بما يحقق اجماعا كبيرا حولها».
وقال المصدر ان الصيغة الاكثر رجحانا هي صيغة 15 وزيرا للموالاة و10 وزراء للمعارضة و5 وزراء لرئيس الجمهورية بحيث يكون من ضمن حصة رئيس الجمهورية الوازنة ووزيران سني وشيعي، اذ يتم الاتفاق مع الرئيس سعد الحريري على الوزير السني ومع الرئيس نبيه بري على الوزير الشيعي على ان يلتزم الوزيران بالموقف الذي يتخذه رئيس الجمهورية في حال وجود خلاف حول قرار ما على الصعيد الحكومي.
سني وشيعي من حصة سليمان
وكشف المصدر ان حظوظ كل من الوزير السابق بهيج طبارة ورئيس مؤسسة عامل د.كامل مهنا ترتفع لمصلحة الانضمـــام الى حصة رئيس الجمهــــورية، لاسيما ان طبارة هـــو موضع احترام وتقدير كبيريـــن على الصعيد الوطني وهـــو من المقربين جدا لتيار المستقــبل وآل الحريري، كما ان مهنـــا هو من الاوائل الذين واكبـــوا مسيرة السيد موسى الصــدر وله باع طويل في المجـــال الانساني كما انه يحظى باحترام اقليمي ودولي لاسيمــــا مـــن قبل الجانب الفرنسي وصداقتـــه المميزة مع وزير الخارجيـــة برنـــار كوشنير يعرفها الجميع.
أجواء الرئيس المكلّف
توقعت أوساط الرئيس المكلف سعد الحريري ألا تستغرق مفاوضات تشكيل الحكومة وقتا طويلا جدا، مرجحة تشكيلها في فترة تتراوح بين بضعة أيام وأسابيع قليلة كحد أقصى، ولافتة الانتباه الى ان هناك مناخا اقليميا ايجابيا بفعل الانفراج النسبي في العلاقات العربية من شأنه ان يعزز فرص تأليف حكومة تحظى بقبول الجميع، ويملك رئيس الجمهورية فيها القدرة الترجيحية.
وجزمت بأن الحريري لن يعتذر لاحقا عن تأليف الحكومة مهما كانت طبيعة الصعوبات التي ستعترضه. العزوف غير وارد على الاطلاق، وسيشكل الحكومة وباب التنازلات سيكون مفتوحا.
ويرغب الحريري ان يحيط تسميته رئيسا للحكومة بأوسع اجماع حوله، ويتصرف من خلفية ثلاثة أمور:
ـ ألا يترأس حكومة مشابهة للحكومة الأولى للرئيس السنيورة التي أعطت الغالبية ثلثي مقاعدها، ولا يترأس حكومة مشابهة للحكومة الثانية للسنيورة التي أعطت المعارضة الثلث الزائد واحدا.
ـ صيغة الـ 16 ـ 10 ـ 4 هي الصيغة الأمثل بالنسبة الى الحريري، وأهميتها بالنسبة الى فريقه هي انها في رأيهم تحفظ صلاحيات رئاسة مجلس الوزراء وتمنع التعدي على هذه الصلاحيات كما حصل مع «غلطة» التخلي عن «الثلث الضامن».
وميزة هذه المعادلة انها تحفظ مصير الحكومة، كما انها تبقي 14 آذار في موقع الأكثرية الحاكمة، وأي صيغة أخرى يمكن ان تمس صلاحيات رئاسة الحكومة.
ـ انه لا يريد في الحكم تكرار تجربة والده مع الرئيس اميل لحود، بل يبدو في علاقة التعاون والتأييد الذي يعرب عنه للرئيس ميشال سليمان أقرب الى تلك التي جمعت والده بالرئيس الراحل الياس الهراوي. ويقول مصدر بارز يشارك في الاتصالات السياسية ان رغبة الرئيس المكلف سعد الحريري في الاسراع بتشكيل الحكومة واضحة، وهو يريد ان تكون خطواته مدروسة وناجحة مع توليه هذه المسؤولية الكبيرة. ولذلك فإن شعار السما التي تظلل الجميع يفترض فيه ان يكون منفتحا على الجميع ومن دون استثناء، وبالتالي يقتضي ذلك ان يعقد لقاء مصالحة ومصارحة مع العماد عون وألا يقتصر ذلك على اللقاء التقليدي أو البروتوكولي، خصوصا انه سمع ان المعارضة مع تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمن شراكة حقيقية، وتضم وزراء عن المعارضة من دون استثناء أطراف أساسية مثل العماد عون.
وإذا كان أقطاب المعارضة لم يتحدثوا بعد صراحة عن الثلث المعطل، الا ان ذلك لا يعني انه لم يعد مطلبا للمعارضة، كما ان كلام الحريري عن حكومة الوحدة الوطنية لا يعني انه لبى مطلب المعارضة.