بعد فوز فريق 14 آذار في الانتخابات، ظن كثيرون ان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط سيعيد النظر في خطته السياسية التي كان قد أعطى أكثر من اشارة بشأنها قبل الانتخابات في اتجاه «اعادة تموضع» واعادة بناء العلاقة مع حزب الله. ولكن رغم خسارة المعارضة استمر جنبلاط في ما كان بدأه وكأن شيئا لم يتغير مع الانتخابات وبعدها. فكان السباق الى «حسم» مسألة رئاسة نبيه بري للمجلس الجديد، والتقى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مطولا، وأوعز الى مساعديه تكثيف الاجتماعات التنسيقية على المستوى الأمني الميداني في مناطق الاختلاط الدرزي الشيعي في الجبل والساحل، وحرص على تمايزه في الموقف من سلاح المقاومة ومن التمثيل الشيعي في الحكومة وازاء آليات وتعهدات حكومية معينة تغني عن «الثلث المعطل».
ويفيد المسار السياسي لجنبلاط في مرحلة ما بعد الانتخابات انه يجهد في التقرب من القيادات الشيعية وخطب ودها انطلاقا من نظرة «جيوبوليتيكية» للانتشار والتأثير الشيعي في لبنان وعلى الدروز خصوصا ومن رغبة في تحييد الجبل عن الصراع الشيعي ـ السني بعد تجربة 7 مايو المرة، وفي مقابل الرغبة الجامحة في الربط مع الشيعة، لا يظهر جنبلاط أي رغبة في التقرب من القيادات المسيحية غير المدرجة في حساباته واهتماماته لهذه المرحلة، والتي لا يستثني منها أحدا في ضفتي الموالاة والمعارضة، فهو غير متحمس للقاء العماد ميشال عون بعدما ظن البعض انه الخطوة التالية بعد لقائه السيد حسن نصرالله. وفي الواقع يريد جنبلاط خطوة الى الأمام وليس الى الوراء، ويريد للقائه مع نصرالله ان يفتح طريقه الى دمشق والأبواب الموصدة في وجهه منذ أربع سنوات.
كما ان علاقة جنبلاط تشوبها الكثير من علاقات التوتر والمواقف المتعارضة مع القيادات المسيحية في 14 آذار التي لم يتورع عن توجيه أقسى الانتقادات لها في مجالسه الخاصة والتي بات ينتقدها علنا مسميا النائب سامي الجميل الذي يمثل في نظره رمز الانعزال المسيحي الجديد. واذا كان حزب الكتائب قرر التريث في الرد على جنبلاط وعدم تفجير العلاقة معه التي أثمرت «تحالفا انتخابيا» في دائرة عاليه ولو على مضض، فإن القوات اللبنانية ومن خلال رئيسها د.سمير جعجع لم تتأخر في الرد غير المباشر على موقفه من «لبنان أولا» والخصخصة. (قال جعجع إثر لقاء جمعه قبل يومين مع السفيرة الاميركية سيسون: «ان رفض الخصخصة هو موقف تاريخي لـ «الحزب الاشتراكي»، أما نحن كـ «قوات لبنانية» فمع الخصخصة». وتساءل: «لماذا عندما يقول أحدهم «لبنان أولا» يعتبر ذلك موجها ضد المحيط العربي، فنحن جزء أساسي منه لكن هذا لا يعني ألا نعطي الأولوية لمصالح بلدنا وشعبنا كما يفعل الآخرون من السعوديين والسوريين أو المصريين»)، والمفارقة هنا ان جعجع يتصدى لجنبلاط في مجال يتصل بعلاقة الأخير مع الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يتجاهل الأمر وتحاول أوساطه ان تبدي تفهما لما تصفه «نتعات وليد بك» وان تعطي تبريرا لمواقفه المستجدة عبر ربطها بمسألة تشكيل الحكومة وتحسين شروطه وموقعه التفاوضي فيها.
الاستياء المسيحي داخل 14 آذار من جنبلاط لا يعود فقط الى تصريحاته الأخيرة، وانما الى مسار وسلوك سياسي لديه بدأ ينعكس سلبا على فريق الأكثرية وانجازاته وآخرها انجازه في الانتخابات. ويواجه جنبلاط في هذا المجال اتهامين أو مأخذين:
-
الأول انه يساهم من حيث يدري أو لا يدري في خدمة مخطط فريق المعارضة الرامي الى اجهاض نتائج الانتخابات وافراغ انتصار 14 آذار من مضمونه. وهذا ما حصل عندما أعيد انتخاب الرئيس نبيه بري من دون شروط وضمانات وبمساهمة أساسية من جنبلاط الذي استبق موقف حلفائه ولم ينسق معهم، وهذا ما حصل عندما سارع جنبلاط الى اعطاء ضمانات في ما خص سلاح حزب الله وتشجيع الحريري على ذلك، والى التساهل في موضوع الحكومة ولو على حساب الأكثرية. وبالاجمال، الى انتهاج خط سياسي لا يتماهى مع الخط الذي اقترع له جمهور 14 آذار ولاسيما الجمهور المسيحي.
-
الثاني انه لا يتعاطى مع الحليف المسيحي في 14 آذار كشريك في الانتصار الذي تحقق في الانتخابات وما يستحقه هذا الحليف من معاملة خاصة قياسا الى ما كان له من دور وتأثير في الانتخابات التي رجحتها ثلاث دوائر أساسية هي: زحلة والأشرفية والكورة.
وما يفعله جنبلاط انه يمعن في احراج القيادات المسيحية أمام جمهورها خصوصا عندما يبرر للعماد عون علاقته وتفاهمه مع حزب الله. وانه يثير لديها هاجس «التحالف الرباعي» الذي يجهد جنبلاط في اعادة انتاجه لإبعاد هاجس «7 مايو» الذي يتملكه والذي رفض ان يكون «٧ يونيو» ردا عليه.