اذا كان عدم تصويت كتلة العماد ميشال عون في العام 2005 لدولة الرئيس نبيه بري رئيسا لمجلس النواب شكل بداية لمرحلة من التوتر والجفاء في العلاقات الثنائية، تكفل «تحالف المعارضة» باحتواء جزء أساسي من المشكلة التي ظهرت في مناسبات كثيرة قبل الدوحة (الاستحقاق الرئاسي) وبعدها فإن تصويت تكتل الاصلاح والتغيير للرئيس بري في العام 2009 شكل بداية تصحيح لهذه العلاقة التي اجتازت امتحانا قاسيا وقطوعا انتخابيا في دائرة جزين، واذا كان وجود حزب الله يشكل «الضمانة» الاساسية في عدم حصول افتراق أو تأزم بين بري وعون، فإن هذا الامر يتأكد مرة جديدة في معرض تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات التي تخوضها المعارضة على اساس ان تدخل معا أو ان تخرج معا، وألا مجال لعقد صفقات منفردة واشراك جهات مقابل عزل اخرى.
المتابعون لأجواء العلاقة بين بري وعون يلاحظون تحسنا في الاجواء وتناغما وانسجاما في موضوع الحكومة، خصوصا ان بري كان السباق الى التأكيد على ضرورة اشراك عون في الحكومة وعدم استثناء احد من حكومة الوحدة الوطنية. وهكذا تستمر العلاقة بين الرجلين في نطاق هذه المعادلة: لا تحالف كاملا ولا تطابق في وجهات النظر، ولا انفراط للتحالف ولا تعارض في وجهات النظر في ظل دور اساسي لحزب الله في ضبط العلاقة وتنسيقها وحلحلة مشاكلها واشكالاتها.
الوزير السابق كريم بقرادوني المتابع لتطور العلاقة بين بري وعون والخبير في شؤون العلاقات السياسية والشخصية يرد سبب الجفاء والفتور الى «غياب العلاقة الشخصية» وهذا ما يمكن ملاحظته بسهولة، اذ لا تجمع الطرفين أي علاقة مباشرة رغم وجودهما في «خندق واحد». ولعل ابرز دليل على غياب التواصل بينهما هو ما قاله بري في فترة الانتخابات ردا على سؤال حول علاقته بالعماد عون وما اذا كان الخلاف حول دائرة جزين قد قطع العلاقة بينهما: «اني اكن كل مودة واحترام للعماد ميشال عون، واعتقد انه يبادلني هذا الامر».
فالرئيس بري «يعتقد» لغياب التواصل.
ويرى بقرادوني ان العلاقة السياسية بين عون وبري لم تواكب بعلاقة شخصية، وهذا ما يخلق التباينات الموجودة، فالمنظار الموضوعي لا يكفي في بعض الاحيان في العلاقات السياسية. هناك ود غير متوافر بين الشخصين اللذين يكتفيان بالعلاقة السياسية.
ولهذا السبب نجد ان الامور السهلة بينهما يمكن حلها، لكن عندما تكون الامور صعبة، فهي تحتاج الى ما هو اكبر من العلاقات السياسية.
ففي جزين الامور لا تستحق معركة بين الطرفين لو كان الود موجودا.
ويشدد بقرادوني على ان بري وعون «في صف سياسي واحد ويشكلان جزءا من تحالف المعارضة الواسع»، جازما بأنه لو ان الخلاف هو بين عون وبري وأي شخص آخر من تحالف 14 آذار لوقف بري الى جانبه بالتأكيد، والعكس صحيح.
لكن داخل الخط الواحد تلعب العلاقة الشخصية دورها، كما هو حاصل بين الرئيس بري وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، اذ تلعب العلاقة الشخصية بينهما دورا كبيرا في تذليل العديد من العقبات والمشكلات التي تعترضهما والتي لا تصل حتى الى اسماع الصحافة».
ويضيف: هناك علاقة ثقة تنمو بين الاطراف الذين يمتلكون علاقة شخصية مباشرة، هي مفقودة بين الرجلين، وعلاقاتهما تقوم على اسس موضوعية وسياسية، وهذه تؤدي الى ما هو حاصل اليوم بينهما. لو كان الاختلاف هو بين حزب الله وعون لكانت المسألة حلت فورا. العامل الشخصي في العلاقات السياسية يؤدي الى ازاحة الكثير من العقبات، وعدم وجود عامل الثقة، قد يؤدي الى العرقلة. لكنهما يبقيان ابناء خط واحد وحلف واحد، وهذا امر لا يمكن التشكيك به».
ويرد غياب عامل «الثقة» الى ضعف التواصل بينهما، وبين تياريهما هما ضمنه حلف واحد، لكنهما لا يتواصلان معا مما يجعلهما يقولان «حليف حليفي» عندما يتحدث احدهما عن الآخر.
وما يجعل حزب الله من يؤمن التواصل بينهما في غياب العلاقة المباشرة. وينفي بقرادوني وجود ابعاد سياسية تؤثر في واقع العلاقة بينهما، مشيرا الى انه حاول متابعة هذا الموضوع عن كثب لمعرفة أسبابه، وانه خلص الى انه لا توجد ايحاءات داخلية أو خارجية، أو اسباب سياسية خاصة في هذا الموضوع. مشددا على انه لا يوجد خلاف سياسي بين الطرفين، والمشكلة تكمن في التنسيق المباشر المفقود، فتنسيق علاقاتهما بالواسطة ـ أي عبر حزب الله ـ من شأنه أن يجعل الامور أصعب، العماد عون رجل لا يمكن ان توضع عليه شروط، بل يجب تركه يتصرف وفقا لرؤيته، وهذا الامر نفسه ينطبق على الرئيس بري الذي يتميز عنه بأنه أكثر مرونة بالشكل رغم أنهما من ذات الجوهر.
وهذا جزء من المشكلة، فنحن امام شخصيتين قويتين.