طغت «زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري الى دمشق» على عملية تأليف الحكومة الجديدة وأثارت الكثير من التساؤلات والغبار السياسي، خصوصا ان الأمور طرحت من خلفية وجود رابط بين حصول الزيارة وولادة الحكومة، مع ما أثاره ذلك من انطباعات بأن العلاقة السورية ـ اللبنانية تعود الى ما كانت عليه قبل العام 2005، وان زيارة الحريري تتم على قاعدة عودة الابن الضال، وان تأليف الحكومة عاد يستند الى المرجعية السورية، وان التعاطي العربي الدولي مع سورية تجاوز مراعاة مصالح سورية في لبنان الى اتاحة المجال لها مجددا للعب دور مؤثر وحاسم في الداخل اللبناني.
شروط ومطالب
وساد لغط سياسي شديد حول هذه الزيارة المحتملة بين من اعتبر انها جاءت في سياق شروط ومطالب سورية رفعت الى المملكة السعودية لتسهيل مهمة الحريري الحكومية وتثبيت دعائم حكمه لاحقا، ومن اعتبر انها جاءت في سياق عرض سعودي متعدد الجوانب يلحظ زيارة للحريري وللقيادات اللبنانية ورؤساء الكتل النيابية الى دمشق في خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتكريس أجواء المصالحة والتهدئة والتوصل الى اتفاق جديد بشأن ترتيبات المرحلة المقبلة، وبحيث يكون «اعلان دمشق» بديــــلا عـــن «اتفاق الدوحة» الذي انتهت مفاعيله مع الانتخابات.
ملابسات الاتصالات
حول زيارة الحريري الى دمشق وما يحيط بها من ملابسات وظروف واتصالات، توضح مصادر سياسية واسعة الاطلاع المعطيات التالية:
الاتصالات السعودية ـ السورية تتجاوز الموضوع اللبناني وتندرج في اطار أشمل يمتد من اعادة صياغة العلاقات العربية ـ العربية وإعادة صياغة للدور الايراني في المنطقة، الى التطورات الجارية على صعيد عملية السلام، وحيث ان الأسباب غير اللبنانية هي التي تشكل الحافز الرئيسي في عملية الانفتاح على سورية لملاقاة موضوع السلام في المنطقة ومبادرة مرتقبة لإدارة أوباما.
وحيث ان استقـــرار لبنـــان وانضمامه الى المصالحات العربيـــة يتعلقـــان بالدرجة الأولى بحاجات سياسية تتجاوز حدوده ومصالح الأطراف المتنازعة فيه وصراعاتهم علــى حصــص ومقاعــد حكوميــة.
الاتصالات السورية ـ السعودية تواكبها حركة مشاورات واتصالات خلفية بين سورية وايران، وبين السعودية ومصر، والموقف الايراني حتى الآن أظهر دعما للحريري وحكومته المرتقبة، ولكنه مازال غامضا في حجم هذا الدعم وكيفية ترجمته عمليا، أما الموقف المصري فإنه مازال حذرا حيال «الاندفاعة السعودية نحو سورية» ولا يرى انها متناسبــــة مع نتائج الانتخابات النيابية من جهــــة ومع الاستعدادات السوريـــة لتقديم التسهيــــلات والمساعدة ليس فـــي المجال اللبناني فقـــط، وانما أيضا في الموضـــوع الفلسطيني الـــذي يعني مصر أولا وأكثـــر مـــن غيرهـــا.
أجوبة محددة
الاتصالات بين سورية والسعودية لم تصل حتى الآن الى اتفاقات ونتائج نهائية، ومازالت كل دولة تنتظر من الأخرى أجوبة محددة على قضايا محددة طرحتها، ما أدى الى تأجيل زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى دمشق لأيام ولكن الزيارة حاصلة حتما.
الرئيس سعد الحريري مستعد لزيارة دمشق وهو أخذ قرارا من حيث المبدأ بالقيام بهذه الزيارة، على ان المسألة باتت «مسألة توقيت وشكل»، مع استبعاد حصولها قبل تأليف الحكومة، فمن جهة توحي في هذه الحال ان هناك تدخلا سوريا في الشأن الحكومي، ومن جهة ثانية تتسبب في اثارة تناقضات وخلافات داخل فريق 14 آذار، حيث تبرز تحفظات جدية على زيارة غير معد لها جيدا ولا تستند الى جدول أعمال.
علاقة طبيعية وندية
ثمة ثوابت تلتقي عليها قيادات 14 آذار فيما خص العلاقة مع سورية وبأن تقوم على أساس دولة الى دولة أخرى، وألا تعود الى المظاهر والممارسات الماضية ومرحلة ما قبل العام 2005، وبأن تكون علاقة طبيعية وندية تقوم على أساس الفصل الكامل بين مسار اعادة بناء الثقة والعلاقات، وبين المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
أما زيارة الحريري الى دمشق فإنها حاصلة حكما بعد تشكيل الحكومة وعلى أساس جدول أعمال يتضمن بشكل خاص المسائل العالقة بين البلدين: ترسيم الحدود، القواعد الفلسطينية خارج المخيمات، قضية المعتقلين والمفقودين اللبنانيين في سورية، الاتفاقات الموقعة والمجلس الأعلى اللبناني ـ السوري.