هو الابن الثاني للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي، ظهر اسمه لأول مرة كشخصية فاعلة خلف الكواليس خلال احتجاج الشيخ مهدي كروبي على نتائج انتخابات عام 2005 التي جاءت بمحمود أحمدي نجاد إلى السلطة التنفيذية، وعاد اسمه ليتردد هذه الايام على لسان الإصلاحيين والمعارضين الذين يتهمونه بقيادة ما يعتبرونه انقلابا على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الامر الذي تناولته بعض الصحف الغربية مؤخرا مثل «الغارديان» البريطانية. ترى أوساط إصلاحية أنه أكثر تشددا من والده على الرغم من صمته المطبق، وعدم ظهوره إعلاميا، وهناك اشاعات بأنه يعد نفسه لخلافة المرشد لاسيما بعد تناقل أنباء عن بلوغه درجة الاجتهاد في الآونة الأخيرة.
يبلغ من العمر 40 عاما وله تأثير مباشر على والده المرشد الأعلى، حاله حال الكثير من أبناء كبار رجال الدين حسب التقليد المتبع في المؤسسة الدينية الشيعية في إيران والعراق.
وكتب عنه الصحافي مازيار راد منش على موقع روز أنلاين الفارسي: ولد سيد مجتبى الحسيني الخامنئي في عام 1969 في مدينة طهران في أسرة دينية كانت تكن الولاء للخميني، جده الأكبر هو سيد جواد الذي كان من رجال الدين المعروفين في مشهد وأمه هي السيدة خجسته هو الابن الثاني للمرشد بعد شقيقه السيد مصطفى، وله شقيقين آخرين هما محسن ومیثم وشقيقتين. ويذكر أن جميع اشقائه رجال دين أيضا.
أمضى مرحلة الطفولة في شارع نایب السلطنة بالقرب من مدرسة علوي وبجوار منزل أسرة هاشمي رفسنجاني في أطراف ساحة آذربيجان بطهران وتتلمذ في مدرسة علوي فاجتاز جميع المراحل الدراسية فيها قبل وبعد الثورة.
أسرة المرشد
كان السيد علي خامنئي رجل دين يعيش حياة بسيطة قبل الثورة، واجتاز خامنئي مراحل الدراسة الدينية في حوزات مشهد والنجف وقم وتتلمذ على يد الخميني مؤسس نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. برز في الأنشطة المعارضة لنظام الشاه ونتيجة لنضاله زج به في السجون والمعتقلات مرارا قبل ثورة عام 1979.
عرف بتذوقه الشعر، وكان جليسا لشعراء معروفين مثل شفيعي كدكني ومحمد مختاري ونعمت ميرزا زاده واخوان ثالث، وكلهم من مدينة مشهد عاصمة إقليم خراسان، وأهم مدينة دينية في إيران حيث مرقد الإمام الثامن لدى الشيعة الاثنا عشرية، أي علي بن موسى الرضا. ويقال إن السيد خامنئي كان يعزف الموسيقى وان لم يكن محبذا في الأوساط الدينية ولاسيما الحوزوية منها وتخلى عنها بعد تفرغه للثورة.
بعد ثورة عام 1979 أصبح خامنئي عضوا في حزب الجمهورية الإسلامية الإيرانية ثم تولى منصب مساعد وزارة الدفاع والمشرف على الحرس الثوري وإمام جمعة طهران باقتراح من رجل الدين منتظري، الذي اختلف مع النظام. ودخل خامنئي كنائب في مجلس الشورى الإيراني عن مدينة طهران ثم أصبح لدورتين متتاليتين رئيسا للجمهورية.
كان السيد خامنئي يعرف في بداية الثورة من مؤيدي المصلح الشيعي الإيراني د. علي شريعتي الذي توفي في لندن قبل انتصار الثورة، وكان خامنئي يدافع عنه أمام انتقادات المؤسسة الدينية التقليدية الحادة له. كانت فلسفة شريعتي تروج لإسلام بلا رجال دين وكان يرى أن رجال الدين في جميع الأديان يشكلون أحد أضلاع مثلث الحكم إلى جانب السياسيين والعسكريين على مدى التاريخ.
بعد وفاة الخميني اختاره مجلس خبراء القيادة خليفة له وذلك بناء على رغبة من قبل الشيخ هاشمي رفسنجاني لملء الفراغ القيادي بعد وفاة الامام الخميني. الرواية بحسب ما قالها رفسنجاني خلال اجتماع المجلس عام 1989 «سمعت من اية الله شبستري نقلا عن آية الله طاهري عن حديث دار بينهما وبين الإمام الخميني بخصوص القيادة من بعده بأنه مادام خامنئي بينكم فلا تبحثوا عن أحد».
والمثير أن موسوي اردبيلي الرئيس السابق للسلطة القضائية قال أمام مجلس الخبراء إنه راى في المنام الامام الخميني الذي أيد اختيار خامنئي من بعده لمنصب ولي الفقيه ليرقى بذلك حجة الإسلام خامنئي خلال دقائق الى آية الله خامنئي.
قبل ذلك كان خامنئي يعد من رجال الدين المجددين والمتنورين لكن سرعان ما اصبح متشددا بعد ان اقترب من المؤسسة الدينية التقليدية، والتيارات المتطرفة الموالية لهذه المؤسسة.
ومع أن المرشد الاعلى لا يمارس صلاحيات تنفيذية الا انه مطلوب دوليا بتهمة الضلوع في التخطيط لتفجير المركزين اليهوديين في الارجنتين والمعروف بملف «آميا» وأيضا ملف «ميكونوس» وهو عبارة عن عملية اغتيال قام بتنفيذها إيراني ولبناني في 17 سبتمبر 1992 في مطعم بجزيرة ميكونوس اليونانية ضد تسعة من المعارضين السياسيين، وعلى رأسهم الدكتور شرأفكندي أمين عام حزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني.
وتعتبر عائلة المرشد الاعلى في وسط الجدل الدائر وتنقسم على نفسها بين محافظين متشددين واصلاحيين أيضا متحمسين. فالسيد هادي خامنئي هو شقيق المرشد من المناضلين ضد الشاه قبل الثورة. انتمى للحركة الإصلاحية ومن مؤسسي «مجمع رجال الدين المناضلين» الإصلاحية التي ايدت خاتمي في الانتخابات الرئاسية، ووقف إلى جانب مير حسين موسوي في الانتخابات الأخيرة، وله تاريخ طويل في الحركة الاصلاحية حيث أسس في عام 1993 صحيفة «جهان اسلام» العالم الإسلامي، ثم صحيفة «حيات نو» الحياة الجديدة في عام 2000. وهناك شقيقة المرشد علي خامنئي سيدة بدري خامنئي صاحبة شخصية قوية زوجة رجل الدين المعروف بصراحته شيخ علي طهراني. كان طهراني من أنشط رجال الدين في أيام الثورة وأصبح عضوا منتخبا في مجلس خبراء القيادة من مدينة مشهد، ولكنه ابتعد رويدا عن رجال الدين الحكوميين، وأعلن دعمه لحركة «مجاهدين خلق» المعارضة، وأيد الرئيس السابق الحسن بني صدر.
في يناير 1984 هرب إلى العراق وطلب اللجوء من المقبور صدام حسين لتهرب زوجته وشقيقة المرشد الحالي وابناؤها الخمسة بعد عام، حيث التحقوا جميعا به في العراق. عاد شيخ علي طهراني خلال أيام حرب الخليج الثانية إلى إيران بعد ان أمن المرشد خامنئي العودة لشقيقته وزوجها إلى البلاد. توفي شيخ علي لاحقا في طهران. ومع ان حجة الإسلام سيد مصطفى خامنئي هو الابن البكر للمرشد الأعلى الا انه لم يعرف له نشاطات سياسية او غيرها. تتلمذ على والده والرئيس الحالي للسلطة القضائية شاهرودي.
ومن أبناء المرشد حجة السلام سيد محسن خامنئي، الابن الثالث وقد تتلمذ على يد والده، وعلى يد خرازي. أما الابن الأصغر، سيد ميثم، فلم يدخل بعد في سلك رجال الدين.
مجتبى بعد الثورة
عند انتصار الثورة كان مجتبى طفلا، فبعد الاحداث الأمنية التي شهدتها إيران خضعت الاسرة لمراقبة أمنية مشددة حفاظا عليها، حالها حال سائر الأسر الدينية البارزة في ايران. فقبيل بدء مرحلة الاغتيالات والتصفيات الجسدية ضد رموز النظام كانت أسرة خامنئي تعيش في شارع آذربيجان، ولكن تزامنا مع احتدام الصراع مع منظمة مجاهدي الشعب، وبعد أن أصبح السيد خامنئي رئيسا للجمهورية، انتقلت الاسرة إلى شارع باستور، وأكمل مجتبى الدراسة في عام 1987 ويقال انه رافق شقيقه مصطفى للالتحاق بجبهات الحرب العراقية الإيرانية، ولاحقا شارك بمعية مهدي ابن الشيخ هاشمي رافسنجاني في الحرب وذلك بشهادة قادة في الحرس.
عندما وضعت الحرب أوزارها وتوفي قائد الثورة، الخميني، أصبح والد مجتبى مرشدا أعلى للنظام ومنع ابناءه من الظهور في الأوساط الرسمية والمناسبات العامة. يذكر أن شدة الحراسة وحرص المرشد على ابتعاد الأسرة بلغت درجة لم يعرف الناس كم من الأبناء للمرشد، كما لم يعرف احد شيئا عن نشاطاتهم السياسية إلا بعد أن كشف حجة الإسلام نوري النقاب في عام 2005 عن نشاطات سيد مجتبى في الانتخابات لصالح نجاد.
ثمة إشارات تدل على أنشطة مجتبى السياسية قبل عام 2005 لكن لا توجد أدلة تثبتها، وأول حضور شبه علني له كان خلال عامي 2004 و2005 إثر تواجده في اللجان الانتخابية لكل من قاليباف وأحمدي نجاد. دعم الأخير في الانتخابات التي فاز فيها نجاد الأمر الذي أثار لأول مرة حفيظة حجة الإسلام ناطق نوري وشيخ مهدي كروبي، مما دفع بكروبي إلى توجيه رسالة للمرشد الأعلى في 20 يونيو 2005 اشتكى فيها مجتبى قائلا «بالرغم من أن مواقف سيادتكم شفافة فإن هناك أنباء تتحدث عن دعم نجلكم الموقر- السيد مجتبى- لأحد المرشحين. كما سمعت بعد ذلك أن أحد كبار الشخصيات ابلغكم بأن «ابن السيد يدعم فلانا» فرددتم عليه «إنه ليس ابن السيد بل هو سيد» لذا هذا القول يدل على ان الدعم المذكور كان نتيجة من السيد مجتبى الخاص».
إن رسالة كروبي تلك التي اعترض فيها على تدخل مجتبى في الانتخابات أثارت موجة من الإشاعات حول تدخله أيضا في شؤون البلاد، مما أصبح من الصعوبة بمكان تحديد الحقيقة من الكذب في الروايات المتداولة. وتشير بعض المصادر إلى أن عند مجتبى فريقا استشاريا استخباراتيا. وهناك اشاعات حول دوره في اختيار قادة الحرس الثوري وإبعاد 15 من كبار الحرس الذين صوتوا في الانتخابات الماضية لصالح رفسنجاني إلى مناطق نائية.
كما يزعم أن مجتبى هو الذي يحدد سياسات النظام الأساسية عبر مكتب والده، حيث له علاقات وطيدة بمجلس قيادة الحرس الثوري، وله نفوذ عميق بين كبار القادة العسكريين والسياسيين في إيران.
أما الأقوال حول بلوغه درجة الاجتهاد، وهي مسألة هامة في التصنيف الديني الشيعي، على يد آية الله مصباح يزدي الأب الروحي لاحمدي نجاد فقد انتشرت في عام 2005 وقيل ان المرشد تحدث في ذلك العام عن بلوغ نجله درجة الاجتهاد، ولكن لا توجد تفاصيل حول مراحل الدراسة الدينية لمجتبى غير حضوره جلسات الدرس التابعة لآية الله شاهرودي وآية الله خرازي في طهران، وكان قد سافر عام 1999 إلى قم للدراسة.
الانقلاب الانتخابي
بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة التي أعلن فيها عن فوز أحمدي نجاد بات اسم مجتبى خامنئي يتردد أكثر من أي وقت مضى في الأوساط السياسية والشارع الإيرانيين ولكن هذه المرة لم يوجه اتهام الانقلاب إلى مجتبى خامنئي فحسب بل شمل المرشد علي خامنئي نفسه ايضا.
وهذا ما يقوي الإشاعة التي ترى أن المرشد يعمل على إنشاء مجموعة من رجال الدين الشباب الحائزين على درجة الاجتهاد بمساعدة مؤسسة مصباح يزدي وربط هذه المجموعة بنجله مجتبى تمهيدا لإلحاق هؤلاء بمجلس خبراء القيادة كضمان لتأييد مجتبى في أن يصبح مرشدا للنظام بعده.
ويقال ان رفض المرشد الأعلى لمير حسين موسوي تنبع من كرهه الشديد لتنظيمين إصلاحيين هما حزب المشاركة الإسلامية ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية نظرا لعضوية الكثير من الشخصيات فيهما ممن يحاولون إنهاء مبدأ ولاية الفقيه بالطرق الدستورية.
وهناك مصدر حوزوي مطلع في قم يرى ان هناك أرضية تترجم هذه الإشاعات إلى واقع. فوجود مجلس صيانة الدستور المعين من قبل المرشد، والذي يمتلك حق النقض وحق تحديد صلاحية المرشحين، بإمكانه أن ينظم اللعبة الانتخابية لمجلس خبراء القيادة بطريقة يصعد الموالون لمجتبى إلى المجلس في الانتخابات ضمانا لتصديق المجلس على اختياره مرشدا للنظام بعد والده، لكن في ضوء الوضع الراهن في المجلس لا يمكن تحقيق ذلك لأن الكثير من أعضائه أعلى درجة من المرشد نفسه من ناحية الدرجة الدينية.
ولتحقيق هذه الغاية يحتاج الأمر إلى تغيير توازن القوى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو أمر صعب المنال مما يضع هذه الإشاعة في خانة المستحيل.