ليس في مقر الأمانة العامة لقوى 14 آذار ما يشير الى أزمة أو مشكلة داخلية، سياسية كانت أو تنظيمية.
فهذه «الأمانة العامة» ـ التي أثبتت حضورا سياسيا واعلاميا ودورا في حفظ وحدة مكونات الائتلاف السياسي الواسع والتنسيق فيما بينها الى درجة ان المعارضة تفكر باستحداث أمانة عامة لها بعدما تنبهت في الانتخابات الى وجود ثغرة تنظيمية ـ مازالت تجتمع وتناقش وترسم الاطار السياسي وتصدر المواقف التي تنسجم مع خط 14 آذار، ولكنها قد لا تنسجم مع خطاب بعض قادة 14 آذار وأدبياته السياسية في هذه المرحلة.
والأهم ان في الأمانة العامة لا وجود لشعور القلق ازاء وجود مخاطر سياسية يمكن ان تهدد وحدة قوى 14 آذار وتؤدي الى تفكيكها، أو يمكن ان تؤدي الى ضياغ الفوز الانتخابي وتبديد المكاسب.
ولكن أوساط 14 آذار تضج بنقاشات سياسية لا تهدأ وتتوزع في اتجاهين:
قلق من التفريط في الانتصار
الأول يطرح تساؤلات «مقلقة» حول مسار 14 آذار بعد الانتخابات والطريقة التي تدار بها الأمور ولا تعكس الانتصار الواضح في الانتخابات، متوقفا عند المؤشرات السياسية التالية:
- منطق التسويات السياسية التي تهدد بإفراغ الانتصار الانتخابي من مضمونه وديناميته. وهذا ما كان بدأ بانتخاب غير مشروط للرئيس بري وموافقة سريعة ومجانية على حكومة شراكة مع المعارضة التي تمكنت من استعادة شيء من زمام المبادرة السياسية ومن نقل الكرة واللعبة الى داخل ملعب 14 آذار بتخييرها بين ثلث معطل في اطار حوار لبناني حول الحكومة، وبين حوار مع سورية وزيارة الى دمشق لتذليل عقبة هذا «الثلث».
- عدم انعقاد اجتماع موسع لقيادات 14 آذار بعد الانتخابات والتحول الى أسلوب اللقاءات الثنائية المنفصلة مع تسجيل انقطاع في اللقاءات بين جنبلاط والقيادات المسيحية، ما يعزز الانطباع الذي ساد في اجتماع البريستول عشية الانتخابات بأن يكون الاجتماع الأخير الجامع وان تكون «صورته» وداعية.
- انقطاع الحزب التقدمي الاشتراكي عن المشاركة في اجتماعات الأمانة العامة لقوى 14 آذار من دون ان يتأكد حتى الآن ما اذا كان الانقطاع مؤقتا أم دائما في اتجاه فك ارتباط تدريجي.
- التباينات وعدم تطابق الخطاب السياسي بين قيادات 14 آذار ازاء مواضيع أساسية (سلاح حزب الله ـ العلاقة مع سورية ـ دور رئيس الجمهورية وحصته في الحكومة الجديدة.. الخ)، في ظل «تمايز فاضح» يمارسه النائب وليد جنبلاط، والذي بلغ حد «التلهف» لزيارة دمشق وحد الدعوة الى تجمع اسلامي قوي يضم حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل والحزب الاشتراكي، فيما يشبه الدعوة الى احياء التحالف الرباعي، لأن الأساس هو الساحة الاسلامية في بيروت والضواحي، وعلى المسيحيين عدم الانزعاج من ذلك كما يقول جنبلاط.
ثقة بوحدة الموقف
الثاني يبدي ثقة بمسار 14 آذار ومصيرها ومن دون التوقف عند اختلافات طبيعية في مقاربة الأوضاع تعكس التنوع السياسي ضمن هذا الائتلاف الواسع، فالمهم بنظر أصحاب هذا الرأي هو «وحدة الموقف» في المحطات والاستحقاقات الأساسية.
وهذا ما أكدته 14 آذار في تعاطيها مع الاستحقاق الانتخابي عندما نجحت في تشكيل لوائح موحدة وسط تنازلات وتضحيات متبادلة، وما أثبتته بعد الانتخابات في تعاطيها مع الاستحقاق الحكومي والموقف الرافض لـ «الثلث المعطل» والداعي الى ان تعكس الحكومة نتائج الانتخابات فتكون للأكثرية النيابية أكثرية في مجلس الوزراء، وكذلك في الموقف من زيارة الحريري الى دمشق ورفضها قبل تشكيل الحكومة.
كما لا تعير هذه الأوساط أهمية لمواقف أحد أبرز أقطاب 14 آذار النائب وليد جنبلاط، وحيث ان حركته تهدف الى «تحييد» الساحة الدرزية عن أحداث مرتقبة وصراعات المحاور الخارجية، وتنسجم مع الاستراتيجية الجنبلاطية الثابتة في اعطاء الدروز دورا سياسيا أكبر من حجمهم الفعلي وفي عدم جعلهم كأقلية في عداد أو في خدمة فريق معين وعلى هامش الحياة السياسية.
هذا هو وليد جنبلاط الذي يغير في أساليبه ومقاربته، ولكنه لا يغير في التزاماته الوطنية.
فعندما يدعو الى تجمع اسلامي قوي ووحدة موقف اسلامي، انما يفعل ذلك من خلفية ان وحدة الصف الاسلامي هي أكثر من ضرورية للحؤول دون تفجر الوضع اللبناني، وعشية مرحلة حبلى بالتطورات تبدأ بالقرار الظني الصادر عن المحكمة الدولية ولا تنتهي بحرب اسرائيلية محتملة.
وعندما يقول انه مع لبنان أولا اذا كان المقصود بهذا الشعار وضع قرار الحرب والسلم في يد الدولة اللبناني، يعني انه لم يبدل في جوهر موقفه السياسي لأن محور المشكلة اليوم هو سلاح حزب الله، كما تقول أوساط «الأمانة العامة».