قبل بضعة عقود فقط كانت الأسماك وفيرة في نهر العاصي الذي كان على مدى آلاف السنين يوفر الماء للأراضي الزراعية السورية الواقعة عند مفترق طرق العالم القديم.
لكن هذه الأيام لم تعد السواقي (النواعير) الضخمة على «العاصي» التي يرجع تاريخها للقرن الثاني عشر والتي يميزها صريرها العالي قادرة على رفع المياه بسبب ضعف تدفقها، وغطت الطحالب سطح النهر وضيقت الصحراء الخناق عليه.
تعاني سورية اليوم من اسوأ جفاف منذ عقود ما ادى إلى تهجير مئات الألوف من السكان وأثار مطالبات بسياسة منسقة للمياه في الشرق الأوسط في الوقت الذي تواجه فيه المنطقة مناخا أكثر جفافا واستنفادة لمصادر المياه بسبب السدود وحفر الآبار.
غير ان الشكوك تحيط بامكانية التوصل لمثل هذا التنسيق في منطقة تسودها التوترات والمنافسات وتأتي فيها سياسات المياه لصالح طرف على حساب الطرف الآخر.
ونهر الفرات الذي يمتد من تركيا عبر سورية إلى العراق ملوث وترتفع فيه نسبة الملوحة، وخفضت السدود التي اقامتها تركيا على النهر والطلب على المياه من جانب أعداد السكان المتزايدة منسوب مياهه بدرجة كبيرة، ما ادى الى ترك المزارعين مناطق تبعد 30 كيلومترا فقط عن دمشق اراضيهم لينتقلوا إلى خيام أو مناطق عشوائية.
وسورية منتج كبير للسلع الزراعية في المنطقة، وتسهم مبيعات القمح وزيت الزيتون والماشية والفاكهة والخضراوات بنحو 20% في الناتج المحلي الاجمالي البالغ 45 مليار دولار ويعيش نحو نصف السكان البالغ عددهم 20 مليون نسمة على الزراعة.
لكن الأنهار ونحو 420 ألف بئر حفر نصفها تقريبا بشكل غير قانوني في العقود القليلة الماضية بدأت تجف وأضر الجفاف وسوء إدارة موارد المياه بشدة بالزراعة خاصة في محافظة الحسكة الواقعة على الحدود مع العراق.
ومن المتوقع أن ينخفض انتاج الحسكة من القمح إلى 892 ألف طن هذا العام بالمقارنة مع 1.9 مليون طن كان مخططا لها.
وارتفعت حالات سوء التغذية بالمحافظة بنسبة 370% منذ عام 2006 وبنسبة 229% في محافظة دير الزور المجاورة المطلة على نهر الفرات حسب دراسة الأمم المتحدة.
وأظهرت الدراسة أن الجفاف يغطي الآن أكثر من 60% من مساحة الأراضي السورية وتضرر منه نحو 1.3 مليون شخص حتى الآن وتستقبل المناطق المحيطة بدمشق وحلب وحماة النسبة الأكبر من المهجرين.
نهر الخابور أحد فروع نهر الفرات والذي كان يروي المزارع في الحسكة قد جف بشكل شبه كامل. أما نهر بردى في دمشق الذي مجده الأدب العربي فقد تحول الآن إلى مجرد مجرى هزيل ذي رائحة كريهة.
وتعمل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) مع الحكومة على وضع خطة زراعية جديدة تشمل مراجعة التكوين المحصولي على مستوى البلاد وتشمل كذلك خطوات لمعالجة مياه الصرف ووقف زيادة نسبة الملوحة وتحسين إدارة موارد المياه.
صفحة شؤون سورية في ملف ( pdf )