سجل السبت الماضي اول اتصال سياسي مباشر بين الحريري وجنبلاط بعد الموقف الأخير أمام الجمعية العمومية للحزب التقدمي الاشتراكي قبل أسبوع، وسبقه ارسال «باقة ورد» من الحريري الى كليمنصو بمناسبة عيد ميلاد جنبلاط.
وعلم ان الرئيس المكلف هنأ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي خلال الاتصال بعيد ميلاده، فرد جنبلاط بعبارة: «اشتقنا»، لكن الحريري أجابه ممازحا: «الى ماذا... للمناكفة؟».
وذكرت معلومات ان الوزير غازي العريضي مهد في اليومين الماضيين للقاء يجمع جنبلاط والحريري فور عودة الأخير، تمهيدا للاتفاق على عناوين عدة يلتزم جنبلاط بها حتى بعد خروجه من تجمع 14 آذار.
وفي سياق العلاقة بين الرئيس المكلف ورئيس اللقاء الديموقراطي، تقول مصادر ان جنبلاط المتمسك بخطابه الجديد وما يمثله هذا الخطاب من طلاق نهائي لمرحلة السنوات الأربع الماضية لمصلحة الخط العروبي، ينتظر من حليفه سعد الحريري أمرين: اما ان يدفع الحلفاء الآخرين في الموالاة للخروج من شعارات تتناسب مع العودة لرفع شعارات العداء لإسرائيل والدفاع عن القضية الفلسطينية والعلاقة المميزة مع سورية، اما ان يختار بين هؤلاء الحلفاء وما يمثلون وما يمثله زعيم المختارة اليوم، وعلى هذا الأساس ستتحدد العلاقة اللاحقة بينهما وان كان جنبلاط - وفق المصادر - مدركا لأهمية الموقع الذي يمثله الحريري داخليا وعربيا.
بدورها أكدت أوساط قريبة من تيار المستقبل ان الرئيس المكلف سعد الحريري لا يقبل اعتماد أسلوب الابتزاز السياسي أو استشراف انطلاقته على غرار ما كان يحصل مع والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري من قبل أقرب المقربين إليه. وان مواقف جنبلاط لم يتم قبولها، وما تبعها من تفسيرات لدى الرئيس المكلف، لأنها كما بدت هي خلاصة اتصالات كان بدأها النائب جنبلاط دون اطلاع حليفه عليها، في وقت كان الحريري يطلع جنبلاط على التفاصيل الجوهرية والاستراتيجية. ومن هنا سجل الرئيس المكلف على النائب جنبلاط «زلة قدم» تجاهه في بداية ترجمة التحالف السياسي، بعد تكليفه برئاسة الحكومة، وفوجئ بأن ما لم يقدم عليه الخصوم السياسيون لجأ إليه الصديق السياسي جنبلاط، وكأنه كان مدبرا مع فريق مركزي في 8 آذار لإضعافه، وهو واقع لا يتقبله الرئيس المكلف الذي تمكن من مواجهة استحقاقات أدق وأكبر من «الخطأ» الفادح الذي أقدم عليه النائب جنبلاط في حقه سياسيا وفي حق الحلفاء في قوى 14 آذار.
بدورها، أوردت تقارير صحافية في بيروت ان الرياض مستاءة جدا من مواقف جنبلاط التي جاءت أعلى بكثير مما هو متوقع، فضلا عن توقيتها المؤذي جدا للتأليف الحكومي.
وبعدما كانت قد بدأت تبدي ارتياحها لما يحصل في لبنان، فوجئت بسرعة تفاقم الأمور، بموقف جنبلاط الحاد جدا من جهة، وبرد تيار المستقبل من جهة أخرى، مما دفع «وزير الملف اللبناني» ووزير الاعلام السعودي عبدالعزيز خوجة الى التوجه مباشرة الى بيروت. كان الوزير السعودي واضحا في رسالته الى جنبلاط، لهجة ومضمونا: «الحريري هو ابننا، وخادم الحرمين الشريفين يتعامل معه سياسيا وكأنه ابنه، ولا نقبل ان تنتهي الأمور بهذه الطريقة». وتابع خوجة قائلا لجنبلاط: «اذا كانت عندك ملاحظات فنحن نحترمها، وإذا كانت لديك خصوصية فنحن نتفهمها ونحترمها أيضا، لكن شرط الا تؤدي الى تغيير المعادلة».
وفي اليوم التالي عاد جنبلاط ليؤكد من القصر الجمهوري انه تحت سقف 14 آذار، لكن خصوصيته الدرزية يجب ان تراعى. دخل جنبلاط في تفاصيل يومية «لدي مشاكل يومية في الشارع، وأخشى الا أقوى على ضبط الشارع» يشير الزعيم الدرزي. إشارة بدا واضحا انها من مستلزمات الاتفاق السوري ـ السعودي، وانها بالتأكيد تلقى آذانا صاغية لدى الضيف السعودي الذي رد بالقول: «اضبط الشارع كما تشاء، وخذ المواقف التي تشاء، شرط الا تؤثر على المعادلة وتقلب الطاولة». كان واضحا لدى السعوديين ان «مغالاة» جنبلاط في التفاعل مع تفاهم الـ «س ـ س» قد يخلق واقعا يؤدي الى إرباكات تعرقل تشكيل الحكومة، والتي هي جزء من حل شامل يفاخر السعوديون بانهم في طور صياغته. لكن يبدو ان «أبا تيمور» قرر ان يقبض هو مباشرة ثمن المواقف الجديدة ضمن إطار الحل الشامل، دون ان يؤدي ذلك الى إفساد علاقته بالسعوديين. وهو ما يفسر قول جنبلاط أمام خوجة انه مستعد للتنازل عن وزرائه الثلاثة، ليثبت انه ليس في طور التعطيل، أو لديه أجندة خاصة تقلب الطاولة.