اللقاء الذي انعقد بين الرئيس المكلف سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط (بات يناسبه هذا اللقب أكثر بعدما أعطى الأولوية لمصالح طائفته واعتمد مقولة «الدروز أولا» فيما هو ينتقد مقولة «لبنان أولا»)، وهو اللقاء الأول بينهما منذ ٢ اغسطس، اليوم الشهير الذي فجر فيه جنبلاط «قنبلة البوريفاج» مفاجئا الجميع وأولهم الحريري.
هذا اللقاء لم يكن مخصصا لترميم العلاقة وما أصابها من اهتزاز وصدمة وأزمة ثقة، وإنما كان مخصصا لترميم الصيغة الحكومية التي اتفق عليها على أساس توازن سياسي دقيق لا يعكس نتائج الانتخابات ولكنه يعكس ميزان قوى عاما زاد اختلالا بعد موقف جنبلاط وتحوله عن «14 آذار».
فقد شكل هذا الموقف الذي يقول جنبلاط انه أسيء فهمه عائقا مباشرا أمام ولادة الحكومة، وحيث لم يكن أمام الحريري إلا أخذ مسافة من الأحداث للتفكير ومراجعة الحسابات قبل ان يرأس حكومة ليست «حكومته» ويصل الى السراي «ضعيفا»، في حين انه من المفترض ان يصله «قويا» بعدما خرج من الانتخابات بفوز واضح.
يمكن للحريري ان يتقبل بكل واقعية ومن دون أدنى تأفف خسارته لأكثرية الثلثين وبأن تعطي الأكثرية من حسابها لرئيس الجمهورية ويمكن ان يتقبل على مضض خسارته الأكثرية النسبية (15 + 1)، ولكنه لا يستطيع ان يتقبل واقع ان يصبح (مع حلفائه) «أكبر الأقليات» في الحكومة مع خروج جنبلاط من تحالف 14 آذار، وحتى لو لم يلتحق بفريق 8 آذار وحتى لو قرر «اللجوء» الى وسطية رئيس الجمهورية والاحتماء بها.
ولذلك فإن الحريري يريد من جنبلاط تحديدا واضحا لموقعه السياسي ليقرر ما اذا كانت حصته (3 وزراء دروز) تحتسب من ضمن حصة الأكثرية (15) أو من ضمن حصة رئيس الجمهورية (5)، أو تحتسب خارج هاتين الحصتين لتصبح صيغة الحكومة عمليا «12 ـ 10 ـ 5 ـ 3».
وما انتهى إليه لقاء «بيت الوسط» هو «موقف الوسط» من جانب جنبلاط الذي زاد موقفه غموضا والتباسا: فهو في موضوع الحكومة اعتبر وزراءه الثلاثة من حصة الأكثرية متعهدا بالتصويت مع الحريري في القرارات العادية التي تتطلب أكثرية عادية.
أما في القرارات غير العادية التي تتطلب أكثرية موصوفة فلا مشكلة فيها مادامت ستكون موضوع توافق مسبق وستقر بإجماع أو شبه إجماع.
أما فيما خص موقفه السياسي، فإن جنبلاط واضح في افتراقه عن مشروع 14 آذار وأدبياتها السياسية، وفي انه أصبح خارجها بمعزل عن نقطة تموضعه الجديد.
أعطى جنبلاط الحريري «تطمينا» في موضوع الحكومة لا يرقى الى مستوى التعهد والالتزام ولكنه كاف لتشكيل الحكومة وتمريرها وفق الصيغة المتفق عليها ويتعذر إيجاد بديل عنها، ولكن في ظل واقع جديد يشير الى ان حكومة الحريري تحولت من حكومة وحدة وطنية تجمع بين فريقي الأكثرية والمعارضة الى حكومة ائتلاف وطني سياسي تجمع بين عدة فرقاء، وبعدما سقطت بعد الانتخابات مقولة «أكثرية تحكم وأقلية تعارض» سقطت بعد موقف جنبلاط مقولة «الأكثرية» ذاتها. فليس في حكومة الائتلاف «أكثرية تحكم» بقدر ما فيها «أقلية تتحكم».
وإذا كانت الأولوية هي لتشكيل الحكومة حتى لا يتحول التعثر والمراوحة الى مأزق وأزمة، ولقاء الحريري - جنبلاط صب في خدمة هذه الأولوية، فإن الأولوية الثانية عند الحريري هي لترتيب بيت 14 آذار المتصدع والحفاظ على ما تبقى من مقومات صموده وتماسكه بعد الضربة الموجعة التي جاءته من الداخل.
وعملية الترتيب هذه تمر أولا في عودة العلاقة بين الحريري وجنبلاط الى وضعها الطبيعي، الى وضعها السابق، ولكن هذا ليس بالأمر السهل والسريع.
فقد أحدث تصرف جنبلاط جرحا عميقا عند الحريري، وجاءت توضيحات جنبلاط من قصر بعبدا وزيارته الى الحريري لتوقف النزيف وحال الانهيار ولكن الجرح لم يندمل، والعلاقة لم تعد تملك مواصفات علاقة «تحالف» وإنما تحولت الى علاقة تعايش حيث البحث جار عن قواعد جديدة لها في ظل مناخ جديد.
تيار المستقبل مازال يبحث في الأسباب الحقيقية التي دفعت بجنبلاط الى فعلته والحريري غير مقتنع بالاعتذار والتبريرات التي قدمها جنبلاط والتي تمتد في مروحة واسعة من التهديدات الإسرائيلية الى الخصوصيات الدرزية.
ولكن ما هو واضح لدى الحريري وولد لديه مرارة شديدة ان جنبلاط أساء إليه في قراره المفاجئ الذي لم يعلمه مسبقا به وأعلنه في خضم عملية تشكيل الحكومة متسببا بإضعاف موقعه التفاوضي في الحكومة وأيضا بإفراغ زيارته الى دمشق بعد الحكومة من أهميتها القصوى.
ربما من أسباب تحول جنبلاط وتوقيته الآن انه أراد استباق الحريري الى دمشق بدل ان يذهب معه أو خلفه وأن «يبيع» موقفه الى دمشق بسعر مرتفع.
فلو فعلها جنبلاط بعد تشكيل الحكومة وبعد ذهاب الحريري الى دمشق لم يكن لفعلته ما كان لها الآن من وقع وأهمية.