بدت الهجــرة الداخليــة في سورية خلال السنوات القليلة الماضية أكثر وضوحا لاسيما خلال سنوات الجفاف التي ضربت الثناء خلال العقد الأخير وكان آخر ملامح تلك الهجرة ترك نحو 200 ألف شخص لقراهم في محافظة الحسكة والتوجه إلى محافظة دمشق وريفها.
وتشير الإحصائيات إلى أن مجموع المهاجرين بين أرجاء سورية بلغ 354 ألف مهاجر خلال السنوات العشر التي سبقت تعداد 1994، ويشكلون 2.6% من إجمالي عدد السكان السوريين الموجودين داخل القطر أثناء تعداد 1994، بينما بلغ مجموع المهاجرين 331 ألف مهاجر خلال الأعوام العشرة التي سبقت تعداد 2004، ويشكلون 1.8% من إجمالي عدد السكان السوريين الموجودين داخل القطر أثناء تعداد 2004، وذلك حسب إحصائية تابعة للمكتب المركزي للإحصاء.
ويتركز السبب الرئيسي للهجرة الداخلية في عدم توافر فرص العمل في المناطق الطاردة للسكان أما السبب الآخر فهو عدم الرضا عن منطقة السكن أو عن مواصفات المسكن، وكذلك عدم كفاية الدخل لتغطية مصروفات الأسرة، أما السبب الرابع، فيكمن في عدم توافر أو كفاية المرافق وخدمات البنية التحتية في المحيط السكني للأسرة.
ويرى الخبير الاقتصادي د.عيد أبو سكة أن «أسباب ونتائج الهجرة الداخلية لا تختلف كثيرا عن نتائج الهجرة إلى خارج القطر، فكلاهما يجد أسبابه ونتائجه في الأوضاع الاقتصادية المتراجعة في البلاد بشكل عام. لكن يجب التركيز على الأسباب الداخلية، فبتفحصها نجد أن هناك طيفا من الإهمال بالنسبة للمواضيع وفروع الاقتصاد الوطني خارج العاصمة، أي هناك تراجع بالنسبة للزراعة والعاملين فيها. أضف إلى ذلك التصحر واحتباس الأمطار. كل تلك الأسباب وراء الهجرة الداخلية، إضافة إلى تراجع الخدمات. ومعروف في سورية أن المحافظات الأخرى، غير دمشق، كان اهتمامها في الماضي في الزراعة، بينما يلاحظ اليوم أن الزراعة أصبحت تتراجع في سورية وهي تعاني معاناة حقيقية».
وبالعودة إلى الإحصائيات نجد أن نحو 85.6% من المهاجرين (أصحاب المستويات المعيشية المنخفضة) من محافظة دمشق اتجهوا إلى محافظة ريف دمشق، بينما قدم 10% فقط من المهاجرين الأغنياء إلى محافظة دمشق من محافظة ريف دمشق، و20.4% من المحافظات الأخرى القريبة أو المجاورة لها، وهي حمص ودرعا والسويداء والقنيطرة، والباقي من المحافظات الأخرى.
مراكز استقطاب
وتشكل المدن الرئيسة في سورية مراكز استقطاب بسبب تمركز رأس المال، وتوافر فرص العمل فيها. فهي تشكل مصدر جذب لأبناء الريف، وقد بقيت محافظة ريف دمشق جاذبة بقوة للسكان باستمرار قبل عام 1994 أو بعده، وبنسبة أعلى، حيث ازداد حجم صافي الهجرة إليها بنسبة 1.3% في المتوسط سنويا بين عامي 1994 و2004. ويعود سبب استمرار جذب محافظة ريف دمشق للسكان إلى قربها من العاصمة، التي توجد فيها الوزارات والإدارات الحكومية المركزية ونسبة كبيرة من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية ـ هذا من جهة ـ ومن جهة أخرى العاصمة تعاني من الارتفاع الكبير في أسعار وأجور العقارات تفوق بكثير حدود الإمكانات والقدرات المادية للمهاجرين.
برامج إصلاح
وفي هذا الصدد قال د.عيد أبو سكة إن البرامج الحكومية مازالت خططا ولم تجد لها مرتسمات على أرض الواقع كما يجب أن تكون، وهناك جهود قد بذلت لكنها لم تؤت أكلها في السنوات الأخيرة، ولاسيما فيما يتعلق بالتنمية والتطوير في المنطقة الشرقية، إضافة إلى أن موضوع الإصلاح الاقتصادي لم يأخذ بعين الاعتبار كل هذه المناطق، والتوزيع العادل للاستثمار، بل بقي الاستثمار منصبا على المدن الرئيسة.
ويضيف أبو سكة «دائما نركز على التخطيط الإقليمي والمتوازن وضرورة أن تكون التنمية الاقتصادية والاجتماعية متوازنة، بمعنى أن تأخذ هذه المحافظات حقها من المواد المادية في البلد. ولو عدنا بضع سنوات إلى الوراء لرأينا أن هذا الأمر لم يتحقق خصوصا عبر السنوات الأخيرة من الخطتين التاسعة والعاشرة».
يشار إلى أن المكتب المركزي للإحصاء قدم في تقريره لعام 2004 جملة توصيات للحكومة لمعالجة ظاهرة الهجرة، تتمثل في وضع البرامج والخطط، واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات للعمل على تحقيق التوازن الديموغرافي والجغرافي مع الإمكانات والطاقات الاقتصادية في المحافظات المختلفة، كخطوة لابد منها لتحقيق الاستثمار الأمثل للموارد، وتحسين المستوى المعيشي للسكان.
صفحة شؤون سورية في ملف ( pdf )