نجح الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في «الاستيلاء» على «المشهد السياسي» في لبنان، وان يكون هو الحدث والمحور بعدما قطع هدوء ما بعد عاصفة الانتخابات وأشعل الوضع السياسي وجعل الجميع في حيرة لأنه لا يغير تموضعه فقط وانما يغير الخارطة السياسية أيضا.
فاجأ الجميع، خصومه الذين لم يتوقعوا «قفزة سياسية» بهذا الحجم، وحلفاءه الذين نغص عليهم فرحة الانتصار بالانتخابات وأوحى لهم بأن المتغيرات المقبلة ضدهم.
وأربك الجميع في التعاطي مع «التحول الجنبلاطي» وفي قراءتهم السياسية له: ما اعتبره البعض لوهلة أولى «قفزة بهلوانية» لا تخلو من مخاطرة، اعتبره آخرون بعد تمعن قفزة محسوبة في توقيتها الداخلي والإقليمي وحصيلة قراءة وحدس صائب واستشراف مبكر ووعي بمصالح الجماعة الدرزية، وعلى امتداد أسبوعين انشغل الجميع في البحث عن تفسيرات أو تبريرات لهذه «الفعلة».
فقد جاء في تبرير البعض انها قراءة للحوار الأميركي السوري المتجدد والتفاهم السعودي السوري المتقدم والصراع الشيعي السني الكامن.
وجاء في تفسير البعض الآخر ان جنبلاط يتحسب لاستحقاقين واحتمالين: الأول هو امكان حصول حرب اسرائيلية ضد حزب الله، والثاني هو امكان ان تصدر المحكمة الدولية بعد أشهر قرارا ظنيا في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ليس بعيدا عن رواية «دير شبيغل» الألمانية التي أشارت الى تورط حزب الله في هذه العملية... وكلا هذين الاستحقاقين سيكون له نتائج خطيرة على البلد، وما يوحي به جنبلاط انه في لحظة وجودية استراتيجية حتمت عليه مراجعة سياسته، وانه يريد ان ينأى بطائفته و«جبله» عن وجه العاصفة المعرض لها لبنان. اذا كان الغموض يكتنف السبب الفعلي والمباشر الذي دفع بجنبلاط إلى هذه «القفزة»، فإن النتيجة المباشرة لا يكتنفها أي غموض وتفيد بوضوح في محصلتها النهائية والفعلية ان جنبلاط خرج من تحالف 14 آذار بغض النظر عن المكان الذي سيتموضع ويستقر فيه، وان قراره أصبح في دمشق بغض النظر عن الشكليات والزيارة وموعد الكشف أو الاعلان الرسمي عن ذلك. وليد جنبلاط آخر بعد 2 اغسطس. هو اختط لنفسه نهجا مختلفا ومسارا جديدا لسنوات.
هو مستعد لدفع الأثمان التي يتطلبها خياره الجديد القديم، والكافية لمحو أخطائه في السنوات الأخيرة.
هو ماض قدما في مسيرته وفي أجندته السياسية المتغيرة التي تبرز فيها ثلاث خطوات في فترة الأسابيع المقبلة:
رفع مستوى علاقته مع حزب الله وتعزيز عامل الثقة فيها ومحو ما تبقى من رواسب وآثار المرحلة السابقة. وفي هذا الاطار، ويدور حديث عن لقاء ثان سيعقده جنبلاط مع السيد حسن نصرالله بعد لقاء أول عقد بعد الانتخابات مباشرة ورسمت فيه «خريطة طريق» بين الطرفين.
فتح خط «حوار وتواصل» مع العماد ميشال عون الذي يلتقيه جنبلاط قريبا وقبل تشكيل الحكومة. والقرار السياسي باللقاء اتخذه الطرفان ولا يبقى الا شكليات وترتيبات: موعد اللقاء ومكانه اللذان لا يكشف عنهما مسبقا لأسباب أمنية.
وطبيعة الاجتماع الأول «منذ اجتماع باريس السريع عام 2005 قبل عودة عون الى لبنان» وما اذا كان سيخرج ببيان سياسي مشترك أو بـ «ورقة تفاهم» تكون في أساسها قضية مهجري الجبل.
زيارة دمشق التي حصلت سياسيا و«في المضمون» مع المواقف المتلاحقة التي أصدرها جنبلاط في الفترة الأخيرة، ويبقى ان تحصل رسميا وفي الشكل عندما يحين الوقت المناسب، والذي يراه هو بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى دمشق ومعه أو من بعده الرئيس سعد الحريري، ولكن جهات مطلعة لا تستبعد ان تتم زيارة جنبلاط إلى دمشق بمعزل عن الملف الحكومي وتحدد شهر سبتمبر المقبل موعدا لهذه الزيارة التي لا يريد جنبلاط ان تتم على يد أي شخصية لبنانية تحركت على خط المختارة دمشق في أوقات متفاوتة.