لم يضمّن البطريرك نصرالله صفير عظاته الأخيرة في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان أي إشارة سياسية كما درجت العادة، رغم ان الظروف السياسية الراهنة تحتم صدور موقف عن البطريرك الذي يبقى لكلماته ومواقفه الوقع المهم على السياسيين والمواطنين على حد سواء. وإذا كانت مصادر البطريركية المارونية تؤثر عدم إعطاء تفسيرات لسر غياب «الشق السياسي» عن العظة الأسبوعية، وهو يرد عادة في نهايتها، فإن المطلعين على مواقف البطريرك والعارفين بأسلوبه المميز، يقولون بأن رأس الكنيسة المارونية «غيّب» السياسة عن عظاته تفاديا للتعليق على المواقف التي صدرت عن النائب وليد جنبلاط الشريك في المصالحة المارونية - الدرزية في الجبل، والذي ربطته بالصرح البطريركي علاقات وثيقة منذ إتمام المصالحة، وصولا الى مرحلة انطلاقة «ثورة الأرز»، وخروج القوات السورية من لبنان، وما تلا هذا الحدث من تداعيات ألقت بثقلها على الساحة السياسية اللبنانية عموما، وعلى العلاقات بين مكونات المجتمع اللبناني خصوصا.
إلا ان تفادي البطريرك صفير التطرق مباشرة الى مواقف جنبلاط لا يلغي وجود «عتب» بطريركي على الزعيم الدرزي الذي كرس المصالحة في أغسطس 2001، مع قناعة البطريرك بأن ما صدر عن جنبلاط لن يؤثر على مفاعيل هذه المصالحة، علما ان البطريرك كان يفضل ألا يتجه جنبلاط بهذا الشكل المباشر نحو تبديل مواقفه من دون ان يهيئ القاعدة في الجبل لهذا التحول، حيث كان يمكنه التشاور مع حلفائه في 14 آذار ليكونوا على بينة من الأسباب التي دفعت سيد المختارة الى تغيير توجهاته، بدلا من ان يفاجأوا بحصول هذا التغير في زمن «المماحكات» حول تشكيل الحكومة العتيدة.
ويرى البطريرك صفير، وفقا لما يسمعه زوار الديمان هذه الأيام، ان المصالحة في الجبل التي باتت أمرا واقعا، تحتاج الى متابعة ورعاية وتنسيق متواصل، لكنه يقول في المقابل ان «التموضع» الجديد للنائب جنبلاط يمكن ان يؤثر على مناخات المصالحة و«يفرمل» الاندفاعة الشعبية حيالها.