في وقت تسأل قوى 14 آذار عن السبب الذي يدفع حزب الله الى عدم التدخل لدى حليفه العماد ميشال عون لتسهيل تشكيل الحكومة التي وافق على صيغتها واطارها العام، وتوحي في سؤالها ان حزب الله قادر على التأثير على عون ولكنه غير راغب في ذلك، تسأل قوى المعارضة عن السبب الذي يدفع الرئيس المكلف سعد الحريري الى التريث وعدم الاستعجال والتأخر في تشكيل الحكومة التي اتفق على صيغتها، ولم يبق الا الحقائب والأسماء وان يبادر الحريري الى تقديم عرضه وتصوره في هذا المجال والى تفعيل حركة اتصالاته مع القيادات ورؤساء الكتل النيابية.
لماذا يتأخر الحريري ويتريث ويأخذ وقته؟ تسأل المعارضة. هل لأنه لم يستوعب واقع ما بعد الانتخابات ولا يعترف به، ولم يتوصل الى صيغة معينة للتعايش والتكيف مع الوقائع المستجدة يستعيد معها فريق 14 آذار توازنه؟ هل يمارس الحريري لعبة كسب الوقت لوضع الجميع لاحقا أمام وقائع صعبة يمكن ان تصل الى حد «قلب الطاولة» وتحدي الجميع على التفكير ببديل عنه لتأليف الحكومة الجديدة ورئاستها؟ أم ان الحريري في غرفة الانتظار ينتظر تبلور التموضع السياسي الجديد للنائب وليد جنبلاط من جهة، واكتمال التفاهم السوري ـ السعودي من جهة ثانية؟
المعارضة مقتنعة بأن اشعال 14 آذار الجبهة السياسية مع العماد عون لا يعكس الواقع والسبب الحقيقي للمراوحة الحكومية، لأن هذه القوى تركز على «عقدة عون» وتبدي ازاءها تبرما وتذمرا، بينما اهتمامها وقلقها يدوران حول «انقلاب جنبلاط» وما أحدثه من اعادة خلط للأوراق وللخريطة السياسية، ومن افراغ نتائج الانتخابات من مضمونها ومن تقويض الصيغة الحكومية المتوافق عليها (15 ـ 10 ـ 5) لتصبح عمليا (12 ـ 10 ـ 5 ـ 3) أو حتى (13 ـ 11 ـ 3 ـ 3). وترى أوساط المعارضة ان جنبلاط اختار لحركته توقيتا سياسيا بالغ الدقة والحساسية، فكان لها تداعيات سلبية مباشرة على وضع الرئيس المكلف وعلى مستوى التوازنات الداخلية الى درجة اضطر معها الحريري الى السفر الى الخارج للتأمل والتفكير والمراجعة أو لإجراء اتصالات واستكشاف الأبعاد الخارجية في ما يجري. ولم ينفع لاحقا ما أكده جنبلاط تكرارا من ان خطوته لم تكن تستهدف عملية تشكيل الحكومة، وما أعطاه من تطمينات بأن حصته الوزارية تحتسب ضمن الأكثرية وانه حريص على علاقته مع الحريري رغم خروجه من 14 آذار. كل ذلك لم يكن كافيا لطمأنة الحريري وجعله يقدم على حسم عملية التأليف وخياره الحكومي.
ولكن الأسباب الخارجية التي تؤخر ولادة الحكومة تبقى هي الأهم في نظر المعارضة التي تتحدث عن توقف عملية التفاهم السوري ـ السعودي عند نقطة معينة وعن «اتفاق لم يكتمل أو لم يدخل حيز التنفيذ» بسبب التدخل المصري ـ الأميركي وما أدى اليه من تعطيل للاتفاق السوري ـ السعودي وعدم انطلاق المسيرة الحكومية وفق الآلية المتفق عليها في دمشق. الاعتقاد السائد لدى المعارضة أن مصر لم ترد التسهيل لأنها كانت تنتظر نتائج زيارة الرئيس حسني مبارك الى واشنطن التي طرحت في خلالها كل الملفات الاقليمية وضمنا الملف اللبناني، ولأن القاهرة كانت تريد ان تعرف مسار الحوار الفلسطيني برعايتها بين حركتي فتح وحماس والطريقة التي ستتعاطى بها دمشق مع هذا الملف وما اذا كانت في وارد تقديم تسهيلات، كما ان القاهرة لديها تحفظات وملاحظات على تفاهمات سعودية مع سورية غير منسقة مسبقا معها أعطت دمشق أكثر مما يجب وساهمت في اضعاف حلفاء السعودية ومصر في لبنان وارباك عملية تشكيل الحكومة وتقويض نتائج الانتخابات.
أما الولايات المتحدة التي تدخلت سريعا (عبر المسؤول عن الملف اللبناني في وزارة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان) لاحباط مهمة الوزير عبدالعزيز خوجة في تسويق اتفاق دمشق في بيروت والحؤول دون وضع هذا الاتفاق على سكة التنفيذ. فإن لديها حسابات خاصة، وهي في ربطها الوضع اللبناني بملفات المنطقة، ربما تفضل ان تتأخر ولادة الحكومة اللبنانية لاعتبارات تتعلق بمفاوضاتها الجارية مع دمشق، أو تتعلق بعلاقاتها مع بعض الدول العربية الحليفة، والى حين تحديد الوظيفة السياسية الاقليمية لهذه الحكومة.
والنتيجة ان الاتصالات السورية ـ السعودية مازالت متوقفة عند النقطة التي توقفت عندها اثر التدخل الأميركي ـ المصري، وان اللحظة التي تعود فيها الحيوية والاندفاعة الى خط الاتصالات هذه وعلى أساس الاتفاق الذي مازال ساري المفعول على الأقل من وجهة نظر دمشق، تكون اللحظة التي يبدأ فيها العد العكسي لولادة الحكومة.