الأزمة الحكومية باتت واقعا والحل ليس في القريب العاجل. هذا الانطباع يترسخ أكثر فأكثر عند الجهات المعنية بالملف الحكومي والمتابعة له، والتي تجاوزت البحث عن الأسباب والعوامل التي أدت الى تعثر وتأخر ولادة الحكومة والبحث عن المكامن الفعلية للعقد والمشاكل، وما اذا كانت داخلية فقط (انقلاب جنبلاط ـ مطالب عون) أو خارجية أيضا (عدم اكتمال التفاهم السوري ـ السعودي غير المنسق مع ايران ومصر) أو هي تعد مزيجا من الاثنتين. الى البحث عن مخارج لأزمة الحكومة التي في حال استمرارها وتفاقمها ستتحول الى أزمة حكم ونظام وستؤثر سلبا على الاستقرار السياسي والأمني، ولن يكون الخروج منها ممكنا إلا بطرق وحلول غير عادية تتراوح بين «دوحة 2» (تسوية سياسية) أو «طائف ـ 2» (تعديلات دستورية).ولكن الرئيس المكلف سعد الحريري يظل المرجع المعني أكثر من غيره بالأزمة الحكومية وطريقة الخروج منها. وفي الواقع فإنه يواجه مهمة صعبة ودقيقة في ظل أوضاع ومعادلات داخلية وأقليمية تضيق هامش المناورة والمبادرة أمامه وتضعه أمام خيارات محددة هي:
1 ـ تأليف الحكومة على أساس صيغة «15 ـ 10 ـ 5» التي باتت ثابتة من ثوابت عملية التأليف، وتجاوز الظروف والمتغيرات الطارئة وأبرزها ما نتج عن «انقلاب جنبلاط» التي أدت الى «خلل بنيوي» في هذه الصيغة التي كانت في الأساس دون مستوى طموحات الأكثرية ونتائج الانتخابات، وتكتنفها الآن أجواء الغموض والتحفظ، وتصبح موضع رفض اذا تأكد ان حصة جنبلاط الوزارية لم تعد من ضمن الـ 15. كثيرون في فريق 14 آذار ليسوا متحمسين لهذه الصيغة وغير مستعجلين عليها، ويفضلون التريث واستنفاد الوقت والفرص قبل السير بها لأنها تضع الرئيس سعد الحريري في موقف صعب يقيد حركته ويضعف قدراته، وسيكون رئيسا لحكومة «ليست حكومته» ولا يملك قرارها ومضطرا لتغطيتها بكلفة عالية.
2 ـ التحول الى حكومة غير سياسية (تسمى تكنوقراط) نتيجة الوضع الذي تجاوز عمليا صيغة الـ 15 ـ 10 ـ 5 ولغة «الأرقام» وخلط الأوراق، ولكن حكومة التكنوقراط صعبة التحقيق عمليا لعدة أسباب: فهي لا تتناسب مع طبيعة المرحلة السياسية بامتياز في لبنان والمنطقة، كما انها تطرح على بساط البحث مسألة رئاسة الحكومة مجددا لأن التحول الى حكومة غير سياسية يشمل كل الحكومة رئيسا ووزراء، اضافة الى سبب يتصل بالواقع السياسي الطائفي في البلد والذي يجعل ان الوزراء التكنوقراط سيختارهم في نهاية الأمر زعماء الطوائف والأحزاب.
3 ـ استمرار حكومة تصريف الأعمال (حكومة السنيورة) طالما استمرت الأزمة الحالية التي لا يحكمها سقف زمني ولم يطرأ ما يرد الاعتبار الى فريق الأكثرية، وما يؤدي الى تعويم صيغة الـ «15 ـ 10 ـ 5» واستعادتها لمضمونها الفعلي. وهذا الخيار هو المطبق حاليا كخيار أمر واقع وطالما استمرت الخيارات تدور بين «سيئ وأسوأ»، ولكن الاستمرار بواقع حكومة تصريف الأعمال لأمد طويل (ما بعد رمضان وربما حتى نهاية العام) يفترض من جهة تفعيل الحكومة وإعادة الروح إليها بما في ذلك عودة «مجلس الوزراء» لتسيير المشاريع وعجلة الدولة. وينطوي من جهة أخرى على مخاطر الخروج عن توافق الحد الأدنى الذي حصل حول صيغة الحكومة وان يقدم الطرفان أو أحدهما وتبعا لميزان القوى لاحقا على تغيير موقفه في اتجاه أكثر تشددا وبما يجعل أمر تشكيل الحكومة أكثر تعقيدا.
4 ـ الاعتذار عن التأليف وانسحاب الحريري من اللعبة التي اختلت قواعدها وتوازناتها. وهذا الخيار غير مطروح حاليا وغير وارد في حسابات الحريري نظرا للأضرار والتداعيات المترتبة عليه والتي تطاله أولا في مسيرته السياسية الصاعدة وفي أول دخول له الى نادي رؤساء الحكومات كما تطال قوى 14 آذار التي لم تستوعب بعد صدمة جنبلاط ولم تخرج منها. سيكون من الصعب جدا وشبه المستحيل العودة في حال الاعتذار الى الرئيس فؤاد السنيورة. ومن غير المضمون ان يكون الحريري قادرا على إيصال أحد غيره من تيار المستقبل (مثل النائب سمير الجسر)، ولا يبقى إلا اللجوء الى «الأسماء الوسطية» مثل الرئيس نجيب ميقاتي أو الوزير محمد الصفدي (رغم انتمائه الى 14 آذار). ولكن «المشكلة هنا» ان الحريري مصمم على عدم التراجع ولن يفوت فرصة قد لا تتكرر للوصول الى السرايا، خصوصا انه خارج للتو من انتخابات رابحة، وان المعارضة (وسورية) تريدان الحريري رئيسا للحكومة لأنه «الأقوى» في طائفته والأقدر على عقد تسويات واتفاقات.