ترى أوساط سياسية ان توجه جنبلاط نحو اليسار واعلانه من «البوريفاج» ان المكان الطبيعي للحزب هو في اليسار مع العمال والفلاحين، لم يحرك «رفاق الأمس» على النحو الذي كان يعتقد بعض القريبين من جنبلاط الذين راهنوا على «تلقف» دعوة زعيم المختارة الى أحضان اليسار، بل كانت ردود الفعل عادية واقتصرت على الترحيب الخجول، باستثناء بعض المواقف التي رأت في موقف جنبلاط عودة اليسار الى الواجهة وتحريكا لتحالفات يمكن ان تنشأ من جديد مع قيادات سياسية انكفأت في الماضي القريب وفضلت العيش في الظل الى حين تعود المياه الى مجاريها.
لكن النسبة الأعلى من القياديين اليساريين فضلت التريث في الحكم على التحول الجنبلاطي مع تسجيلها أن «استذكار» حقوق المثقفين والعمال والفلاحين في الخطاب الجنبلاطي تأخر بعض الشيء، لأن اللغة التي سادت خلال السنوات الماضية كانت لغة طائفية ومذهبية والبعض من اليساريين يصفها بـ «الانعزالية».
ويقول هؤلاء ان عودة زعيم المختارة للحديث عن العمال والفلاحين مرتبط أساسا بعودة في الحديث عن سورية وفلسطين والموقف منهما الذي اختلف في اغسطس 2009 عما كان عليه في الأعوام الماضية، خصوصا بالنسبة الى تقارب العلاقة الجنبلاطية بسورية التي بلغت نسبة التحول فيها أكثر من 180 درجة.
وانطلاقا من هذه المعطيات فإن الأحزاب اليسارية الأساسية عكفت على تقييم مواقف جنبلاط بـ «هدوء وموضوعية» بعيدا عن «الحماسة والانفعال»، لاسيما انها أتت انطلاقا من المتغيرات التي قرأها جنبلاط قبل الانتخابات النيابية بأشهر، لكنه تريث في الاعلان عنها الى ما بعد الانتخابات، علما ان جنبلاط وفق مسؤولين في هذه الأحزاب يسعى الى موقع آخر في المعادلة السياسية الجديدة في البلاد، بعدما كان احتل خلال السنوات الماضية موقعا متقدما في تجمع قوى 14 آذار وأدار الدفة السياسية لهذا التجمع، ولما بدأت تلوح في الأفق العربي والاقليمي متغيرات، أدرك جنبلاط ان المحافظة على موقعه المتميز حزبيا وطائفيا وسياسيا يحتم عليه احياء مشروع الالتزام بالقضايا الوطنية والتحرر الاجتماعي، أي الوجه المقابل لتوجهات 14 آذار والذي يتناغم مع انفتاحه المتجدد على سورية وربما ايران.
وترى قيادات يسارية ان الانتظار سيكون سيد الموقف قبل تحديد الموقف النهائي، لأن حديث جنبلاط بحاجة الى خطوات ملموسة، كالعمل على الاصلاح السياسي والاجتماعي واستكمال ما بقي من بنود اتفاق الطائف وأولها تأسيس مجلس الشيوخ وابعاد الطائفية عن مجلس النواب، أي بكلام آخر لابد من الممارسة السياسية التي تؤكد عودته الى اليسار وليس فقط «اعلان النوايا».
وتضيف هذه القيادات ان أسس ترجمة اعلان العودة الى اليسار، ترجمة عملية، ستكون من خلال الأساليب التي سيعتمدها المسؤولون الاشتراكيون في تعاطيهم مع الهيئات النقابية اليسارية التي ابتعد عنها الاشتراكيون عندما نسقوا في السابق مع القيادات النقابية في 14 آذار من دون ان ينقطع التواصل مع اليساريين الآخرين، ولاسيما بين الاشتراكيين والشيوعيين، وهو أمر لم يحصل مطلقا بين التقدميين وجماعة النائب السابق نجاح واكيم التي لا تعتبر نفسها معنية بالتبدل الحاصل في المواقف الجنبلاطية، وهي تعتبر أيضا ان القوى اليسارية عاجزة عن بلورة خطابها في المرحلة الراهنة. من هنا، فإن ردة الفعل اليسارية على مواقف جنبلاط المستجدة لاتزال في مرحلة التقييم الأولي وعنوانها التريث في انتظار المزيد من الترقب والشروحات الجنبلاطية التي يتوقع ان ترتفع وتيرتها خلال المناسبات الحزبية المتوقعة في الأسابيع المقبلة.