الانطباع أو التقدير الأول الذي يفيد بأن اللقاء بين جنبلاط وعون ينتظر حلحلة بعض «الالتباسات» التي تتمحور حول مكان انعقاده، هذا الانطباع تبدد لمصلحة آخر يقول ان العقبة أبعد وأعمق من مكان وشكليات، وانها تتعلق بظروف اللقاء التي لم تنضج وبمضمونه ونتائجه السياسية، سواء لجهة مستقبل العلاقة السياسية وطبيعتها، أو لجهة الاتفاق بشأن ملف المهجرين لاسيما في بريح (الشوف) ومنطقة الشحار الغربي (قضاء عاليه) من جهة ثانية. هذا الملف الذي يشكل منذ عقود المسألة المركزية في الجبل وفي العلاقة الدرزية - المسيحية. م يلتق جنبلاط وعون منذ عام 1985 إلا مرة واحدة في باريس مطلع عام 2005، ليحصل اختراق بعد ذلك فور وصول عون الى لبنان وخروجه من 14 آذار في وقت كان جنبلاط يهندس التحالف الرباعي الاسلامي. ومشروع اللقاء الجديد بدأ الحديث عنه حين قرر جنبلاط السير بعكس تيار 14 آذار، ما أتاح المجال أمام حصول اتصالات ولو خجولة بين شخصيات المعسكرين أو عبر أصدقاء مشتركين، ساهمت في تكريس هدنة أولية تلاها تبادل للرسائل الايجابية عبر الاعلام تمهيدا لخطوات أكثر قربا، والمقصود بها لقاء يجمع بين الرجلين، خاصة مع اعلان عون ان ظروف اللقاء قد بدأت تنضج نافيا ما تردد عن وجود «شروط مسبقة» لهذا اللقاء قائلا: «لن تمر أحدث كثيرة قبل ان نلتقي»، فيما نقلت مصادر جنبلاط كامل استعداده لعقد اللقاء وان لا إشكالات تحول دون إتمامه في المضمون، لكن الاتفاق على موعده لم يتم حتى الآن بسبب الاختلاف على المكان. وفي هذا المجال علم ان عون أصر على مكان له رمزيته «المارونية». وقد كان الاقتراح الأول ان يجتمع الاثنان في منزل صديق مشترك، إلا ان عون غير رأيه وطلب ان يتم اللقاء في مطرانية بيروت المارونية فرفض جنبلاط حتى لا يثير أي حساسيات مع البطريرك صفير. واقترح ان يتم الاجتماع في مجلس النواب أو في قصر بعبدا برعاية الرئيس ميشال سليمان فرفض عون الاقتراحين مفضلا ان يتم اللقاء في إحدى الكنائس في منطقة الشوف. وكان قد تردد ان عون يشترط على جنبلاط لإتمام اللقاء مرافقته في جولة على مناطق الشوف تكون شبيهة بالجولة التي كرست المصالحة بين جنبلاط والبطريرك صفير عام 2001.
وثمة تحفظات لدى أوساط عون على حصول اللقاء خاصة اذا كان «بروتوكوليا» وللصورة فقط، فالمطلوب خطوة أساسية وجدية تقلب صفحة القلق والخوف من نفوس مسيحيي الجبل وليس في الوارد ان يكون اللقاء «جسرا» يعبر منه جنبلاط الى مكان آخر، لاسيما الى سورية، لتتويج تموضعه الجديد. كما ان لدى هذه الأوساط شعورا بان جنبلاط يسعى الى تسوية مع السنة والشيعة وسورية وإيران واقصاء كل الآخرين لاسيما المسيحيين.
الاتصالات الخاصة باللقاء توقفت والأجواء الايجابية انحسرت، وبدا اللقاء مؤجلا حتى إشعار آخر، خاصة بعد موجة الاستياء التي تركها خطاب البوريفاج لدى حلفاء جنبلاط في 14 آذار ومسارعته في الأيام القليلة الماضية الى سلسلة خطوات توضيحية وتراجعية كان من بينها «إلغاء اللقاء» مع عون، والتحول مجددا الى انتقاد موقفه ومن دون أن يسميه في موضوع تأليف الحكومة والشروط التي يضعها في هذا المجال، بعدما كان عون عمل على توظيف استدارة جنبلاط في تعزيز موقعه التفاوضي بشأن حصته في الحكومة الجديدة وفي التشكيك بصمود الصيغة المتوافق عليها. ورغم ان المؤشرات كانت تدل على ان التواصل العوني ـ الجنبلاطي قطع شوطا في مسار ترتيب بدايات هذه العلاقة، إلا ان مشروع اللقاء سحب من التداول.
ولا يبدو ممكنا وواردا في الفترة التي تفصل عن ولادة الحكومة، ويفترض ان يحصل بعد هدوء العاصفة الجنبلاطية. فالمواصفات السياسية للقاء من شأنها ان تطيل المهلة الزمنية التحضيرية لانعقاده، وربما تطيح به، خاصة ان الطرفين يبدوان غير مستعجلين لحصول مثل هذا اللقاء الذي يكتسب أبعادا سياسية تتجاوز المرحلة الراهنة وتتعلق بخصوصيات الجبل الدرزي الماروني وواقعه المركب من «تعايش وتنافر».
إذا كان الرئيس نبيه بري أكثر حرارة في التعامل مع جنبلاط، وإذا كان حزب الله يجيد إظهار الود حيث يجب والبرودة حيث يريد. لكن الأمر يبدو مختلفا عند قوى أخرى من بينها التيار الوطني الحر، الذي لم يجد بعد ما يخصه مباشرة من حركة جنبلاط، بل إن أزمة الثقة التي تتجاوز الإطار السياسي بين معارضة وموالاة الى الثغر التي تحكم العلاقات بين المسيحيين والدروز، ترخي بظلها القوي على موقف التيار الوطني الحر من جنبلاط، وربما لهذا السبب لم يكن هناك استعجال للقاء الصورة بين العماد ميشال عون وجنبلاط.