بدأت الأوساط السياسية والديبلوماسية في بيروت تتكيف مع فكرة بقاء حكومة تصريف الأعمال لفترة طويلة تقاس بالأشهر وليس بالأسابيع لأن ولادة الحكومة الجديدة دونها عقبات وعقد ظاهرها داخلي فيما عمقها وامتدادها خارجي اقليمي. في الواقع إن الأزمة الحكومية الراهنة في لبنان، وهي أزمة تتفاعل بقوة وحدة تحت سطح هادئ ولا تختلف عن أزمات الأعوام الماضية الا في طابعها السلمي والسياسي بمنأى عن الشارع، ليست هي الأزمة الوحيدة في المنطقة، لا بل هي أقل أزمات المنطقة شأنا وحجما:
في العراق عاد التدهور الأمني ومسلسل التفجيرات مصحوبا بتوترات سياسية في المركز حيث بدأت عملية خلط أوراق سياسية عشية الانتخابات القريبة، وحيث يواجه رئيس الوزراء المالكي خطر المحاصرة من ائتلاف شيعي جديد مدعوم من ايران. وتوترات في الأطراف، ولاسيما في شمال العراق حيث الدويلة الكردية تريد استكمال تثبيت دعائمها قبل الانسحاب الاميركي وتصطدم بمشكلة كركوك «الاثنية - الطائفية».
في فلسطين أخفقت محاولات التوصل الى حكومة وحدة وطنية، وعاد التوتر السياسي والأمني بين حركتي فتح وحماس الى ما كان عليه قبل حرب غزة، بعدما أخفقت كل المحاولات والجهود المصرية للتوصل الى اتفاق بين الحركتين يكون أساسا لعملية تقاسم السلطة. فرص استئناف الحوار تتضاءل، وواقع الانفصال السياسي والجغرافي بين غزة والضفة يترسخ والهوة بين الطرفين تتسع: حركة فتح لا ترى ضرورة للاتفاق مع حماس قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تخوضها من موقع أقوى شعبيا وتنظيميا بعد مؤتمرها الأخير. وحركة حماس لا ترى امكانية لإجراء الانتخابات الا على أساس اتفاق شامل.
في اليمن الذي أضيف حديثا الى خارطة النقاط المتفجرة في المنطقة، يدور صراع عنيف كان أخذ على امتداد السنوات الأخيرة شكل مواجهة بين النظام (الجيش) والمتمردين (الحوثيين)، ولكنه بدأ يتحول في الأسابيع الأخيرة الى مشروع حرب أهلية مع دخول القبائل الموالية للحكومة الى ساحة المعركة لمحاربة جماعة الحوثيين.
هذه الأوضاع المضطربة والمتفجرة تدخل المنطقة في مسار قد يكون مفاجئا ومغايرا للتوقعات التي سادت بعد وصول الرئيس باراك أوباما الى البيت الأبيض، ما يعزز الاعتقاد بأن الشرق الأوسط دخل في مرحلة انتقالية صعبة، وان الاستراتيجية الاميركية الجديدة لم تتبلور بشكل كامل ونهائي وكل ما حدث حتى الآن لا يتعدى تغييرا في الأسلوب والتكتيك، وان كل أطراف المنطقة، دولا وأنظمة وقوى، في حال ترقب وانتظار متمسكة بأوراقها وساعية الى تعزيز مواقعها في وضع تحكمه «الديبلوماسية الشائكة» ومسار الصراع فيه يتقدم على منطق الحوار. وأما التفسيرات المعطاة لهذه الحال من «التوتر المتجدد والانتظار القلق»، فهي متعددة وتتراوح بين:
- الخطة الاميركية للسلام في الشرق الاوسط التي يفترض ان يعلنها الرئيس باراك أوباما الشهر المقبل، وهي تركز على المسار الفلسطيني الاسرائيلي، وستكون محور المواقف والسياسات في المرحلة المقبلة.
والكل الآن بانتظار «خطة أوباما» للتكيف معها ومساندتها أو تجاهلها والتصدي لها.
- الاشتباك السياسي بين ادارة أوباما وحكومة نتنياهو، وكان من نتائجه الأولى حصول تراجع وتراخ في مواقف الادارة الاميركية تحت تأثير الحملات والضغوط، وهذا ما ظهر من خلال تقديم شرط التطبيع العربي مع اسرائيل على شرط التجميد الاسرائيلي للاستيطان للتقدم في عملية السلام.
- الأوضاع الايرانية الداخلية (بعد الانتخابات الرئاسية) التي ساهمت في تجميد مشروع الحوار الاميركي مع ايران الى حين، وفي تعزيز الضغوط الدولية على ايران في اتجاه حملها على الدخول في حوار مشروط. أو تلقي عقوبات اقتصادية.
- الموقف الاسرائيلي غير المتعاون مع الادارة الاميركية، خصوصا انه نجح في رمي مسؤولية توتر العلاقات الثنائية عليها، ويتجه الآن صوب اعادة تحديد الأولويات الاميركية في المنطقة ليكون الملف الايراني لا ملف السلام في المقدمة.
- البرودة العربية في التفاعل مع الدينامية الاميركية الجديدة: سورية لا تفرط في أي من أوراقها الا على أساس صفقة شاملة مع الاميركيين، السعودية متشددة في مسألة التطبيع أولا مع اسرائيل، ومصر لديها اهتماماتها وأجندتها الخاصة التي تبدأ من حماس وغزة وأمنها القومي وتصل الى نظامها واستقراره واستمراره.