المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضيةاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري تشكل احد مصادر القلق للمرحلة المقبلة. الوزير السابق وئام وهاب كان السباق الى الإضاءة على هذه النقطة الشائكة مباشرة بعد الانتخابات وإطلاق إشارات تحذيرية من دخول جهات دولية على خط المحكمة لتحويل تقرير «دير شبيغل» الألمانية الى قرار اتهامي (حزب الله الذي اعتبر ان هذا التقرير مصدره اسرائيل، وان كل ما يروج له ويتبناه اسرائيلي وسيعامل على هذا الأساس). وبعد لقائه مع النائب وليد جنبلاط قال وهاب: «كان هناك كلام حول كيفية مواجهة المرحلة المقبلة خصوصا على ضوء القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية. رأيي الخاص في هذا الموضوع واضح، كذلك الأستاذ جنبلاط متخوف من انعكاسات هذا الأمر ويهمه بشكل كبير أن يتم استيعاب أي ردود فعل أو انعكاسات يمكن أن يتركها هذا الأمر».
القلق يمتد الى أوساط قيادية في 14 آذار، فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يتخوف ويتحسب لتطورات وتوترات يمكن ان تكون المحكمة الدولية احد مسبباتها، من جراء التغيير الذي طرأ على مسار المحكمة وتحول وجهة الاتهام من اتهامات سياسية في حق سورية الى اتهامات قضائية في حق حزب الله يمكن ان تصدر عن المحكمة الدولية وان تعكس أجواء تقرير «دير شبيغل». وربما يكون هذا القلق سببا من أسباب الحركة السياسية الوقائية التي يقوم بها جنبلاط حاليا تحسبا لمخاطر فعلية يريد ان تظل منطقته وطائفته خارجها.
وكذلك الأمر بالنسبة الى رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية د.سمير جعجع الذي أشار في اكثر من مناسبة الى المحكمة الدولية كمحطة أساسية واستحقاق قريب يمكن ان يكون مصدرا للتوترات والمشاكل، والأمر هنا لا يتعلق فقط بالقرار الاتهامي الذي يمكن ان يصدر قبل نهاية العام أو مطلع العام 2010، وإنما بطلبات يمكن ان تتقدم بها المحكمة لاستدعاء شهود وسماع إفادات، ويمكن ان تواجه بالاعتراض وعدم التجاوب.
في معلومات أوساط قريبة من قوى 14 آذار ان توقيت القرار الظني هو بين اكتوبر ونوفمبر، وان المحكمة الدولية ستفتتح جلساتها وأعمالها مطلع مارس المقبل. وتضج هذه الأوساط انطلاقا من فرضية «دير شبيغل» بأسئلة مقلقة حائرة من نوع: ماذا عن موقف قوى 14 آذار في حال تطابق مضمون ما تسرب في «دير شبيغل» مع القرار الظني؟ كيف يمكن التعاطي مع حزب الله المتهم من المحكمة الدولية؟ وهل يستثني القرار سورية وايران؟ هل ستتبنى قوى الأكثرية معادلة اتهام اسرائيل وتبرئة الحزب من دم الرئيس الحريري منعا للفتنة السنية ـ الشيعية وتسهيلا للحل اللبناني، أم ستعمد الى الدفع في اتجاه مزيد من عزل حزب الله وليس تعويمه؟ وتدعو أوساط الأكثرية الى عدم ترك هذا الموضوع حتى اللحظة الأخيرة، والتفكير مليا بالطريقة الواجب اعتمادها، فإما التضامن مع الحزب برفض المحكمة وتحمل تداعيات موقفها، أو رفضها التعليق على القرار في انتظار الحكم النهائي.
فالأخير يريد تجنب أي رد فعل من حزب الله على قرار المحكمة الدولية، وحيث ان لا مصلحة للبنان ولا قدرة للشعب اللبناني على تحمل تبعات الصراع الدولي الاقليمي على أرضه، وأي قرار من هذا النوع قد يشعل حربا أهلية، وهذا ما يوجب العمل ليس على طي ملف المحكمة وانما تسريع الحلول في المنطقة.
في الواقع، ثمة ترقب لمضمون القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وفي اعتقاد مصادر سياسية إن المحاولات الحثيثة التي يقوم بها النائب وليد جنبلاط في عقد لقاءات توفيقية، واستعداد الحريري الى زيارة سورية بعد تشكيل الحكومة، وتخطيه مرحلة عام 2005 بكل مفاعيلها وتداعياتها، لا تلغي واقع ان ارتدادات القرار الظني لن تكون سهلة على لبنان. وفي اعتقادها ان عودة الكلام المتكرر في أكثر من وسط سياسي، عن التقرير الذي نشرته مجلة «دير شبيغل» الألمانية حول اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ليس امرا بسيطا، وهو كاف وحده لإثارة مخاوف على مستقبل الوضع اللبناني.