الركود والجمود السياسي الذي طبع عملية تشكيل الحكومة منذ أسابيع اخترقهما امس لقاءان سياسيان، يمكن ان يشكلا نقطة تحول في مجرى التأليف:
- الأول: لقاء الأكثرية النيابية أو أكثرية الـ 71 نائبا في قصر الرئيس سعد الحريري في وسط بيروت أو ما بات يعرف بـ «بيت الوسط»، وأهمية هذا اللقاء تكمن شكلا في انه الأول من نوعه بعد الانتخابات النيابية بما يؤدي الى «تظهير صورة» الأكثرية الجديدة السابقة، وفي انه أول اجتماع للأكثرية يحضره جنبلاط بعد «قنبلة البوريفاج» التي أوحت بخروجه من 14 آذار ليعود اليها من باب الأكثرية النيابية وتحت عنوانها، أما الأهمية السياسية لـ«لقاء الأكثرية» فإنها تكمن في الأهداف المحددة والنتائج التي يمكن ان تصدر عنه وأبرزها:
1 - «شد عصب» قوى 14 آذار على مستوى القيادات السياسية وعلى مستوى الجمهور والرأي العام بعد حالة البلبلة والتململ والضياع التي سادت في فترة ما بعد الانتخابات النيابية، وليس موقف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وحده وعلى جسامته ما أدى الى هذا «الانهيار المعنوي ومخاطر التفكك»، وانما ساهمت في نشوء هذا الوضع وبشكل أساسي الطريقة التي تصرف بها فريق 14 آذار مجتمعا والتي كانت موضع بحث ونقد ذاتي لدى أوساط هذا الفريق على امتداد الأسابيع الماضية.
2 - تقديم الدليل الحسي على ان الأكثرية مازالت أكثرية، مجرد حصول الاجتماع يؤكد ان ثمة أكثرية نيابية أفرزتها الانتخابات في «7 يونيو» لاتزال موجودة، وينفي اصابة هذه الأكثرية بنقص أو تصدع بسبب مواقف جنبلاط، وبالتالي فإن معادلة الأكثرية (أكثرية الـ 71 نائبا) والأقلية (57 نائبا) ما تزال قائمة، وان المعادلة التي بالغت المعارضة في تظهيرها واستخدامها بعد مواقف جنبلاط وبنت عليها في معركتها الحكومية وهي معادلة الأقليتين «60 ـ 57 ـ 11» أو حتى «57 ـ 57 ـ 11 ـ 3» (نجيب ميقاتي أحمد كرامي ميشال المر) ليست موجودة في الواقع.
4 - دعم الموقع التفاوضي للرئيس المكلف الذي يخوض معركة مفاوضات قاسية مع المعارضة وتحديدا مع حزب الله والعماد عون بعدما حدد الرئيس نبيه بري ما له وما عليه ووضع نفسه جانبا، فإذا كان الخطأ السياسي الأبرز الذي ارتكبه جنبلاط هو «في توقيت» موقفه عندما كان الحريري في أمس الحاجة اليه، واذا كان الضرر الأبرز الذي نجم عن ذلك هو اضعاف الحريري واتاحة المجال أمام خصومه للتشدد في مواقفهم وشروطهم، فإن النتيجة الأبرز التي ستتمخض عن لقاء الأكثرية اليوم هي تعزيز وضع الحريري واعادة تثبيت ورقة الأكثرية في يده التي تعطيه نظريا على الأقل قدرة التلويح بـ «حكومة الأكثرية» كورقة تفاوضية، مع ان هذا الخيار غير قابل للتطبيق عمليا، وكلفته ومخاطره عالية.
- الثاني: لقاء الرئيس المكلف سعد الحريري والعماد ميشال عون في قصر بعبدا امس، وهذا اللقاء تم على أساس المبادرة التي أطلقها الحريري كمخرج للمشكلة السياسية البروتوكولية التي حالت دون حصول اللقاء والتي اختصرت في المكان وفي من يبادر الى زيارة الآخر، فكان ان اقترح الحريري مكانين: البرلمان أو القصر الجمهوري، مبديا ميلا ضمنيا الى الالتقاء في البرلمان ومن دون وسيط وشاهد، ولكن الرئيس سليمان سارع الى الدخول على الخط والى حث عون على التجاوب مع فكرة اللقاء حتى لا يتحمل مسؤولية عرقلة الحكومة، وعلى المجيء الى قصر بعبدا، ولقي الأمر تجاوبا من عون خصوصا ان علاقته مع الرئيس بري مازالت في دائرة الجفاء والفتور، ما يجعل ان بري ليس في وضع القادر على أداء دور في المشكلة بين عون والحريري.
واذا كان حزب الله لعب دورا في تهيئة مناخ وظروف اللقاء وجعله ممكنا من دون التورط في لعبة الوساطة أو الضغط والتأثير على عون، فإن الرئيس ميشال سليمان هو المستفيد الأول من هذا اللقاء الذي يدخله بقوة على خط تشكيل الحكومة ويعزز موقعه كرئيس توافقي وكوسيط نزيه وضامن.
لا يمكن التعويل كثيرا على اللقاء الذي تم في بعبدا امس ليشكل اختراقا ملموسا وسريعا في عملية تشكيل الحكومة، فالجزء الأكبر من أهداف هذا اللقاء وخلفياته يندرج في اطار المناورة المتبادلة: الحريري اقترح اللقاء ليظهر نفسه في موقع المبادر المتعالي على الحساسيات الشخصية واعتبارات البروتوكول والساعي الى تشكيل الحكومة مع استعداد لتقديم تسهيلات وتضحيات في الشكل أولا، وعون لم يجد أمامه الا التجاوب مع فكرة اللقاء حتى لا يتحمل منفردا مسؤولية العرقلة والتأخير ولا يثبت الاتهام الموجه اليه بأنه يستخدم كواجهة داخلية لعقد وضغوط اقليمية.