فيما تراوح الأزمة الحكومية مكانها ويبدو ان لا حل لها في القريب العاجل، يخرق السجال الدائر حول المحكمة الدولية «الصيام السياسي». ففي تطور من خارج جدول الأعمال السياسي كانت لافتة للانتباه عودة المحكمة الدولية الى الواجهة من جديد لتصبح محور سجال وتجاذب بين فريقي الأكثرية والمعارضة: الفريق الأول يتساءل عن أهداف غير معلنة وراء استحضار ملف المحكمة وبدأ يتحدث عن محاولة جارية ـ«مقايضة المحكمة» (تمييع) بالحكومة (الافراج عنها). والفريق الثاني يتساءل عن سبب التأخير المتعمد في الحكومة بعدما اتفق على صيغتها وتركيبتها، ويتهم الأكثرية بأنها تنتظر حدثا ما يعزز وضعها وتحديدا ما سيصدر عن المحكمة الدولية من قرار ظني واتهامات جديدة.
1- أوساط الأكثرية تتحدث عن:
- الحملة القائمة على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تتم بموازاة نشاط متزايد يقوم به المحققون التابعون لمكتب المدعي العام في المحكمة القاضي الكندي دانيال بلمار منذ أسابيع في لبنان، حيث يستمعون الى عدد من الأشخاص ويواصلون جمع المزيد من المعطيات.
ويتوقع أن تتسع الحملة على المحكمة خلال الأسابيع المقبلة وأن تظهر في بعض وسائل الإعلام الغربية أيضا، على شكل تسريبات، على غرار تلك التي حصلت في مجلة «دير شبيغل» منذ مدة.
- ثمة همس في الأروقة السياسية الداخلية بان تأخير الحكومة مرتبط بموعد صدور القرار الظني، وهناك من يقول بوجود تخوف حقيقي لدى المعارضة من «عملية تحريف ممنهجة» لمسار التحقيقات صوب جهات فيها لاسيما حزب الله بعد اتهامه صراحة في تقرير «دير شبيغل» الذي أجمعت المواقف الداخلية على ادانته واعتباره فتيلا لإشعال فتنة داخلية خطيرة تستهدف السلم الأهلي والوحدة الإسلامية السنية - الشيعية.
- استهداف المحكمة المتزامن مع الاصرار على تسلم قوى 14 آذار وزارة الاتصالات التي ترتبط بها التحقيقات، يشير الى ان المحكمة باتت أم العقد.
والهجوم على المحكمة هو هجوم مسيس بهدف التشكيك مسبقا في نتائجها، وان أصحاب الحملة اليوم يحاولون اعطاء براءات ذمة للبعض، وربما في مكان ما يحاولون القول ان أي ادانة محتملة ستصدر عن المحكمة مرفوضة، أي انهم يحاولون الطعن في مصداقيتها.
- فريق 8 آذار بالإيقاع السريع لحملاته ومعركته أعطى انطباعا بأن ثمة شيئا ما داهما على صعيد المحكمة ولابد من مواجهته.
واللافت ان تسريبات إعلامية تزامنت مع المعركة على المحكمة، بعض هذه التسريبات تحدث عن استعداد سوري لمواجهة المحكمة وبعضها الآخر تضمن «معلومات» تتحدث عن مطلب سوري صريح قدم الى دولة عربية رئيسية بـ «انهاء» المحكمة ثمنا للمساعدة على الحل في لبنان.
وتؤكد المصادر على حقيقتين واستنتاج: الحقيقة الأولى هي ان فريق 8 آذار «المحلي والاقليمي» يعرف ان المعركة على المحكمة لا تعود تنفعه متى صدر من المدعي العام قرار اتهامي ما أو صدرت قرارات اتهامية تباعا. ولذلك يعتقد هذا الفريق ان المعركة الاستباقية يمكن ان تحقق له غايته في منع المحكمة من مواصلة مهماتها. وحقيقة ثانية هي ان «مناسبة» تشكيل الحكومة مؤاتية للمعركة والابتزاز. أما الاستنتاج فهو ان المحكمة الدولية ممتنعة على الاسقاط وقائمة ومستمرة.
2- مصادر المعارضة تعتبر ان الصعوبات أمام تشكيل الحكومة ناتجة عن رفض الاستجابة لمطالب العماد عون المشروعة، واذا كان هناك من يجب ان يسأل عن توظيف المحكمة للضغط فهو بعض فريق 14 آذار الذي ينتظر بعضه تطورا ما في ملف التحقيق الدولي، من شأنه، وفق توقعاته، ان يساهم في تغيير المعادلة القائمة حاليا وصولا الى اضعاف المعارضة وسورية ما يتيح اشراك حزب الله وعون في الحكومة وفق شروط الحريري وليس العكس.
وهناك في المعارضة من لا يخفي خوفه من الفتنة وليس من المحكمة بذاتها، اذا قررت بعض القوى الدولية الذهاب حتى النهاية في اتهام حزب الله أو اثارة الشبهة حوله من خلال استدعاءات معينة كبديل متاح عن الحرب المتعذرة.
ويشدد العارفون في المعارضة على ان أي استدعاءات مسيسة قد تعمد اليها المحكمة لن تكون قابلة للتنفيذ في لبنان، لأن المعنيين بها لن يخضعوا الى الضغط والابتزاز ولن يسمحوا بتكرار سيناريو الضباط الأربعة مرة أخرى.
وتحدثت المصادر عن قرار لدى دمشق بالتوجه صوب مجلس الأمن الدولي لوضعه أمام مسؤولياته، وتورد المصادر في هذا السياق الآتي: أولا: تسعى سورية الى تذكير مجلس الأمن بمسؤوليته عن المحكمة وعملها، وبالتالي اعادة الاعتبار للدور المباشر المفترض ان يقوم به المجلس لمنع أي عملية تسييس أو تزوير تحصل في المحكمة.
ثانيا: تأكيد ضرورة المبادرة الى خطوات تفرض على مجلس الأمن التزام المحكمة بعدم تجاهل كل عمليات التزوير التي حصلت سواء من محققين عملوا في لجان التحقيق أو من شخصيات ذات صلة سياسية ومعنوية بفريق الادعاء الذي تولى تسويق الاتهامات ضد سورية.