بيروت ـ عمر حبنجر
رغم نصائح الرئيس ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري وتحذيرات النائب وليد جنبلاط من مغبة مثل هذه الخطوة، وهو في مقتبل عمره السياسي، الا ان الرئيس المكلف قدم اعتذاره عن تشكيل الحكومة، معلنا التمسك بثوابته المعروفة واهمها عدم توزير الراسبين في الانتخابات وبالتالي عدم ابقاء وزارة الاتصالات في قبضة الوزير جبران باسيل.
ويعكس هذا الوضع فشل الجهود المبذولة والتعثر في اخراج صيغة حكومية تحظى برضا جميع الاطراف، كما يفترض مع وجود حكومة وحدة وطنية. ومن بيت الدين، المقر الصيفي للرئيس سليمان، اعلن الحريري اعتذاره عن تأليف الحكومة، معيدا الأسباب الى ان محاولته تشكيل حكومة ائتلاف وطني لن تنجح، ورفضه ان تتحول رئاسة الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف الى مجرد صندوق بريد وبعد ان اصطدم التزامه تشكيل حكومة وحدة بحائط، آملا ان يشكل اعتذاره مناسبة لاطلاق عجلة الحوار واجراء استشارات تنتهي الى قيام حكومة تستطيع قيادة البلاد الى بر الأمان.
الحريري لفت الى انه وبعد ان تعهد امام اللبنانيين بالعمل على تأليف حكومة وحدة وطنية وتعكس نتائج الانتخابات وبعد ان عمل على مدى 73 يوما لتحقيق هذا الهدف قناعة منه بأن حكومة الائتلاف الوطني ضرورية في هذه المرحلة وان التحديات الكثيرة التي تواجه لبنان توجب قيام مثل هذه الحكومة، مشيرا الى انه بعد ان «طوينا قيام حكومة من لون واحد واتفقنا على مد اليد للتعاون من الجميع وعلى صيغة اخذت من الأكثرية حقها بالنصف زائد واحد، أجرينا مشاورات كانت تنتهي الى طرح شروط تستهدف الغاء نتائج الانتخابات النيابية».
كما قال موضحا انه لكل هذه الأسباب تقدم بتشكيلة حكومية رأى فيها صيغة حكومة الوحدة وفـتح صفحة جديدة من التضامن بين اللبـنانيين، وكانت فرصة حقيقية لكنه اعتبر ان هذه الفرصـة ضاعت في مهب الشروط مع معرفة الجميع أنها لا تلغي أحدا بل تحترم حق الجميع في المشاركة.
ثابتتين لن تتغيرا
بدوره، اكد مصدر مواكب لـ «الأنباء» انه «ايا كانت نتائج هذه المشاورات التي افضت الى اعتذار الحريري فان هناك ثابتتين لن تتغيرا ابدا: الاولى ان سعد رفيق الحريري هو رئيس حكومة لبنان المقبلة، والثانية ان الحكومة التي سيترأسها الحريري هي حكومة وحدة وطنية، وهو اول من اعلن عقب فوز الاكثرية في الانتخابات النيابية مد اليد للشراكة من ضمن حكومة كهذه».
واشار المصدر الى ان «حجم المواقف ومداها لن يتجاوزا الاعتراض والتظلم لدى رئيس الجمهورية، وحسنا فعلت المعارضة ان سارعت الى ابلاغ اعتراضاتها على التشكيلة الى الرئيس سليمان دون ان تأخذ منحى آخر، وهي بذلك التزمت حدود الياقة والمنطق، وحقيقة مسار الامور من ضمن الاطر المؤسساتية وابرز ما اعترضت عليه المعارضة هو طريقة تقديم الرئيس المكلف للتشكيلة الحكومية التي اعتبرتها سابقة في تاريخ تأليف الحكومات في لبنان».
ولفت المصدر الى ان اعتذار الحريري لن يكون نهايةالمطاف، فالاستشارات النيابية الجديدة ستعيد تكليف الحريري مرة جديدة وبزخم اقوى وشروط مغايرة مع تأكيد وجوب اعتماد صيغة 15 ـ 10 ـ 5 كقاعدة للمشاركة.
واضاف المصدر «ان التيار الوطني الحر ابدى امتعاضه من عدم حصول اي تفاوض على الاسماء معه، وانه لم يستجب لاي مطلب من مطالبه».
ودعا المصدر الى «انتظار الايام القليلة المقبلة لا بل الساعات المقبلة التي قد تثمر حلولا معينة في ظل التشاور والخط المفتوح بين بيت الدين وبيت الوسط والحركة المكثفة التي يقودها كل من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط اللذين ينشطان في تسويق افكار وحلول ومعالجات من ضمن الصيغة المقترحة للحكومة».
مقاطعة باسيل لاجتماع قريطم
الى ذلك وفي اجتماع ليلي هو الاول بين الرئيس المكلف سعد الحريري وممثلي المعارضة بعد اعلان التشكيلة، استمر حتى الثانية من فجر امس، بدا كل طرف متمسكا بحدود مواقفه، ومن دلالات سلبيات نتائج هذا الاجتماع اعتذار «الوزير المعطل» جبران باسيل الى المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله حسين خليل عن عدم حضور لقاء قريطم بذريعة ان موقف المعارضة واحد، كما اوضح عضو كتلة التغيير والاصلاح د.سليم سلهب امس، مبررا عدم انضمام باسيل للمجتمعين بانعدام الجدوى.
وتشير المعطيات التي سبقت هذا اللقاء إلى ان المعارضة لم تتراجع عن شروط ومطالب تعتبرها جوهرية، في حين بقي الرئيس المكلف على موقفه الرافض ادخال تعديلات على التشكيلة التي يعتبرها هو الآخر جوهرية.
وكما بات معروفا فإن وزارة الاتصالات هي ام العقد، لما لها من تقاطعات امنية ترى الاكثرية ان الوزير الحالي جبران باسيل لم يكن متوازنا في تعاطيه بشؤونها، بينما تصر المعارضة وعلى رأسها حزب الله على ابقاء شبكة الهواتف اللبنانية بتصرف الوزير باسيل تأسيسا على حسن الاداء والتجاوب.
نصائح جنبلاطية للحريري
من جهــة اخرى وفي معلومـات لـ «الأنــباء» ان الــنائب جنبلاط نصح الرئيس المكلف سعد الحريري بعدم التفكير في الاعتذار لأن مثل هذا الموقف لا يخدم تطلعاته المستقبلية ولأن الاكثرية ستعاود تسميته لتشكيل الحكومة ما يعني مكانك راوح.
اما اذا طرحت الاكثرية عودة الرئيس فؤاد السنيورة فإن المعارضة ستحيي المطالبة بالثلث المعطل.
لتوزير باسيل مقابل أحد خصومه وضمن النصائح التي تلقاها الحريري ان الاستمرار على رفض توزير جبران باسيل وبالشكل الحاصل بدأ يجعل منه بطلا وقضية، فلماذا لا يعاد توزيره نزولا عند اصرار المعارضة وعلى مسؤوليتها مقابل توزير منافسه الانتخابي بطرس حرب الذي انتصر عليه؟
كما كان رئيس المجلس نبيه بري قد شدد خلال اتصالاته مع الرئيس المكلف على دعوته الى عدم الاعتذار بعدما تناهى لرئيس المجلس ان الرئيس المكلف اعتمد مسار الاعتذار، وهذا ما جعل الحريري يعلق تنفيذ ما انتواه تقديرا للمتدخلين معه، يوما او يومين، لكنه ليس مستعدا للمساومة على توزير باسيل ولا على وزارة الاتصالات، خصوصا ان فريق الغالبية يعتبر انه مني بظلم كبير في التشكيلة الحكومية ولم يعد ممكنا التسليم بتنازلات اخرى.
التمسك بالثوابت
وفي كلمة له في حفل افطار غروب الاربعاء الماضي، قال الحريري: خلال اليومين او الثلاثة المقبلة سأقوم بخطوات لمصلحة البلد، لدي صلاحيات وسأمارسها، نحن علينا مسؤولية هذا البلد، ولا نخاف الا من الله سبحانه وتعالى.
واضاف: اريد ان اؤكد انني فيما يتعلق بالثوابت عنيد ولا اتزحزح عن الامور الاساسية التي تخص لبنان وسيادته واستقلاله والتي هي ليست ملكا لي بل ملك وحق لكل اللبنانيين.
بري للحريري: الاعتذار ليس لك
وكان الحريري اتصل برئيس مجلس النواب ظهرا وابلغه عزمه الاعتذار ورد بري بالقول: ان هذا القرار ليس لك وحدك يا شيخ سعد، بل لنا ولك، واتمنى عليك تأجيل الموضوع يوما او يومين او ثلاثة ايام وانا سأسعى الى تسوية مرضية للجميع.
وقال بري امام النواب وبينهم نواب حزب الله انه اذا حصل الاعتذار وتكررت الاستشارات فإنه لن يسمي احدا الا الحريري.
بالمقابل، تقول مصادر الاكثرية انه في حال اعتذر الحريري واعــيد تكليفه فسيعيد النظر في صيغة 15 ـ 10 ـ 5 وفي نوعية الحقائب الممنوحة في التشكيلة الحالية للمعارضة.
وردا على سؤال حول ما اذا كانت عودة الحريري حتمية، قالت المصادر: الامر عائد له، علما انه اذا رفض التكليف مجددا فإن ما من شخصية سنية تجرؤ على قبول التكليف في اجواء الاحتقان السياسي والطائفي القائمة.
المصادر اشارت الى صعوبة التفاهم مع المعارضة في ضوء ما تم ابلاغه شفهيا الى الرئيس سليمان من «ترويكا» المعارضة التي زارته في بيت الدين.