بيروت ـ عمر حبنجر
لا نقاش في بيروت حول من سيكون الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة في أعقاب الاستشارات الملزمة التي سيباشرها الرئيس ميشال سليمان في بعبدا بعد غد، وليس في الأمر أحجية ولا ضرب بالرمل، فالذي كان مكلفا واعتذر سيعود مكلفا، مع بعض الشروط والنبرة العالية هذه المرة.
وذلك واضح من تتالي التصريحات وبيانات التزكية لسعدالدين رفيق الحريري من المرجعيات السياسية والدينية الإسلامية السنية، المبادرة الأولى جاءت من رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة الذي اختار منبر رئاسة الجمهورية في مقرها الصيفي في بيت الدين ليرشح من هناك الحريري لتشكيل الحكومة مرة اخرى، قاطعا الطريق على وسائل إعلام التيار الوطني الحر التي حاولت إدراجه في خانة البديل للحريري، ثم كان التصريح الحاسم لمفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني بدعم إعادة تسمية صاحب الموقف «الوطني الحاسم والجريء، الشيخ سعد الحريري» وتلاه بيان لنواب طرابلس الذين اجتمعوا في دار الإفتاء وأصدروا بيانا تلاه الرئيس نجيب ميقاتي بدعم إعادة تكليف الحريري لتشكيل الحكومة، مما قطع الطريق على هواة الصيد بالمياه العكرة.
واللافت ان اعتذار الحريري، أعاد تحريك قواعده الشعبية التي ساء بعضها ما فرض عليه من شروط، وتقول وزيرة سابقة محسوبة على خط المعارضة، ان موقف سعد الاعتذاري ترفع له القبعة، موضحة ان في الرجل الكثير من طباع والده، لكنه يتميز بعناد أشد.
وسألت «الأنباء» أحد وزراء حكومة تصريف الأعمال، وهو من أصدقاء الرئيس السنيورة عن صحة احتمال عودة رئاسة الحكومة الى الأخير، فأجاب بلهجة قاطعة: ليس ذلك واردا ولا حتى بنصف في المائة، بل سيعاد تكليف سعد، ولو ان التشكيل الآن سيتطلب وقتا أطول، لأن الأسس السابقة التي جرى العمل عليها نسفت تماما، وستكون هناك آلية جديدة ومفاهيم جديدة. ولكن التخلي عن صيغة 15 – 10 – 5 الحكومية، والعودة الى معادلة الأكثرية والأقلية يمكن ان تقود الى عصيان مدني من جانب المعارضة وربما الى أكثر من العصيان المدني، الى عدم الاعتراف بالحكومة وتاليا بسلطتها على المؤسسات والادارات.
على هذا أجاب الوزير الواسع الاطلاع، ان تشكيل حكومة أكثرية ليس في الوارد، لكن استمرار المعارضة في المكابرة، سيعني المزيد من العمر لحكومة تصريف الأعمال.
الحريري: اعتذرت بهدوء
الحريري أعلن في إفطار قريطم انه اعتذر بكل هدوء وان الأكثرية مازالت أكثرية وهي تقرر من هو رئيس الحكومة المكلف، وقال ان مصلحة لبنان اقتضت اعتذاره عن تشكيل الحكومة لأن العقبات التي وضعت أمام التشكيل تهدف الى عدم قيام الحكومة.
واضاف انه سيضع النقاط على الحروف بعيدا عن التحدي أو التهديد مشددا على ضرورة تهدئة الخطاب السياسي كي نتمكن من تشكيل الحكومة. وقال: حتى حلفائي لم يكونوا مرتاحين لهذه التشكيلة، وحتى تيار المستقبل لم يكن فرحا، وأنا قلت في هذه التشكيلة يجب ان يضحي الجميع وليس الفريق السياسي الأكثري، ثم اتضح ان المطلوب من هذا الفريق ان يضحي من أجل قيام هذه الحكومة.
غير ان عضو كتلة المستقبل النيابية د.عمار حوري، رسم صورة غامضة، حول مدى قبول النائب سعد الحريري للتكليف مجددا، حين قال في تصريح اذاعي صباح امس، انه خلافا لما يشاع منذ اعتذار الرئيس المكلف، فان الرئيس سعد الحريري منكب الآن على التفكير فيما اذا كان مهتما باعادة ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، بعد ذلك ستجري مشاورات ضمن كتلة المستقبل ثم مع الحلفاء لتحديد من سيكون مرشح الاكثرية لرئاسة الحكومة.
وردا على سؤال حول ما اذا كان ممكنا اعتذار الحريري عن قبول تكليفه مجددا، كرر حوري القول: ان ترشيح الحريري هو الآن في دائرة الدراسة الدقيقة، من الرئيس الحريري نفسه اولا ومن ثم من كتلة المستقبل ومن قوى الاغلبية.
في غضون ذلك عاد العماد ميشال عون ليلا الى بيروت آتيا من تشيكيا، حيث امضى بضعة ايام في منتجع صحي، وتوقعت اذاعة النور ان يتواصل مع قادة المعارضة وربما تقتضي الامور عقد لقاء ثلاثي بينه وبين الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله، مع احتمال انضمام رئيس المردة النائب سليمان فرنجية اليهم في حال قرر الاخير قطع زيارته الى الخارج والعودة الى بيروت.
باسيل: خيراً فعل الحريري باعتذاره!
الوزير جبران باسيل الذي يعزى الى توزيره «فركشة» تأليف الحكومة، قال انه لم يكن المطلوب دفع النائب الحريري الى الاعتذار، بل دفع الفتنة عن لبنان والذهاب الى حكومة وحدة وطنية.
وفي حديث تلفزيوني قال باسيل ان خير ما فعله الحريري هو الاعتذار، وردا على سؤال حول احتمال اعادة تكليف الحريري قال باسيل ان من يفشل في تجربته، فعليه الابتعاد انقاذا للوحدة الوطنية.
وعلى العكس من باسيل فان وزير العمل في حكومة تصريف الاعمال محمد فنيش (حزب الله) قال: اننا لم نكن نتمنى ان تصل الامور الى هنا لانه كان ممكنا بالحوار، ومقاربة الامور بطريقة اخرى، الا نعجز عن الوصول الى تفاهم ما دام الجميع متفقا على حكومة شراكة وطنية.
ولاحظ فنيش ان الاعتذار سيحرك آلية دستورية لاجراء استشارات وسنعود مجددا الى حكومة شراكة، وهذا امر مفروغ منه، وتمليه المصلحة الوطنية، والتوازنات السياسية والطائفية، وقال: لا يستطيع احد تجاوز مطالب المعارضة التي على اساسها تقوم حكومة الشراكة الوطنية.