بعد الاعتذار غير المفاجئ الذي قدمه الرئيس المكلف سعد الحريري الى الرئيس ميشال سليمان معلنا وصول عملية تشكيل الحكومة الى طريق مسدود بعدما رفضت المعارضة التشكيلة التي اقترحها وتمثل من وجهة نظره أفضل ما يمكن ان يقدمه لها وأقصى ما يمكن ان يقدمه من تنازلات.. يُطرح تساؤلان أساسيان:
الاول: هل يعود سعد الحريري الى رئاسة الحكومة؟ هذا التساؤل ربما يكون مستغربا أو مستهجنا عند كثيرين لأن الآلية الدستورية السياسية توصل حتما الى اعادة تكليف الحريري كونه زعيما للأكثرية التي تحدد من يكون رئيسا للحكومة وزعيما دون منازع للطائفة السنية التي لا ترضى بديلا عنه. فالرئيس ميشال سليمان محكوم بإجراء استشارات نيابية ملزمة تفضي الى تسمية الحريري مجددا لرئاسة الحكومة. الأمر محسوم والمسألة مسألة «أرقام» وما اذا كان الحريري سينال الرقم الذي ناله في استشارات التكليف الأولى أي 86 صوتا أم سينال أصوات الأكثرية فقط (71) في حال أعادت قوى المعارضة التي سمته (كتلة بري والطاشناق) النظر في موقفها، ولكن الأمر يتوقف على موقف الحريري نفسه الذي انصرف بعدما ارتاح من «عبء التأليف» الى دراسة الوضع من كل جوانبه والظروف السياسية التي أوصلت الى قرار «الاعتذار» ومصلحته في العودة الى تشكيل الحكومة وعلى أي أساس ومن ضمن أي ظروف، فالحريري لم يخرج ليعود الى «النقطة المأزق» التي كان وصل اليها وليواجه المشاكل والشروط نفسها. ولذلك فإنه على الأرجح ان يتجه الى ربط عودته بضمانات أو تفاهمات مسبقة تتناول تسهيل مهمته وايجاد الحلقة المفقودة بين التكليف والتأليف وتلافي الثغرات والاستفادة من أخطاء التقدير التي وقع فيها وبعضها لم يكن يتوقعه، ربما كان الحريري ينتظر ان يكون موقف الرئيس سليمان أكثر تضامنا معه، وان يكون موقف الرئيس بري أكثر تمايزا وتأثيرا، وان يكون موقف جنبلاط أقل تمايزا عنه وأكثر التزاما به، وان يكون موقف حزب الله أكثر تدخلا وضغطا على العماد عون. وربما يشعر الحريري الآن انه أخطأ في مفاوضة المعارضة بالمفرق وعلى مراحل، وليس بالجملة ووفق مبدأ السلة الواحدة أو الصفقة الشاملة والاتفاق السياسي المسبق الذي يشمل كل عملية الحكومة من التكليف الى التأليف الى البرنامج والبيان الوزاري.
والسؤال الآن: هل اعتذر الحريري ليعود أقوى وفي وضع يمتلك فيه هامش حركة ومناورة تفاوضية ويطرأ عليه تغيير في قواعد اللعبة بعدما اضطر كما يقول الى ان يسير من تنازل الى آخر؟ وهل المعارضة تقبل ان يعود بشروطه أم تخطط ليعود أضعف؟
الثاني: هل يعود الوضع الحكومي برمته الى نقطة الصفر والى «مربع ما قبل التكليف الأول»؟ وهل «أطاح» الاعتذار بكل ما اتفق عليه وضمنا صيغة الـ «15 - 10 - 5» لحساب وضع جديد في مواصفاته السياسية وصيغته الحكومية وقواعده التفاوضية؟ تتعاطى الأكثرية مع خطوة الاعتذار على انها خطوة الى الوراء لابد منها لتحقيق خطوات الى الأمام بهدف اعادة تركيز وضع الأكثرية وشد عصبها أولا، وتحسين الموقع التفاوضي والشروط في وجه المعارضة ثانيا، ولإرساء قواعد جديدة للعبة السياسية وللبنيان الحكومي واستعادة زمام المبادرة، ولذلك لا تعود صيغة الـ «15 - 10 - 5» تفي بالغرض ومتناسبة مع طموحات الأكثرية وتطلعها، ولو جاء متأخرا أو استلحاقيا، الى حكومة مفصلة على قياس نتائج الانتخابات النيابية، وبما يفضي الى قيام حكومة تملك فيها أكثر من النصف والى صيغة جديدة أقلها «16 - 10 - 4».
ولكن المعارضة في أجواء وتقديرات مختلفة هي تعترف بأن الحريري خرج من الجولة الأولى لمعركة الحكومة أقوى سنيا معززا موقعه وزعامته. ولكن هذا لا يعطيه صلاحية أو قدرة فرض شروطه في عملية تشكيل الحكومة لأنه في السياسة «خسر الجولة».
وبغض النظر عن الأسباب التي دفعته الى الاعتذار الذي هو التعبير المخفف للانسحاب أو التنحي، فإن النتيجة العملية أنه أخفق في تشكيل الحكومة وانه أصيب بانتكاسة في بداية حياته السياسية «الرئاسية».
وحسب هذه الأوساط فإن الحريري يخطئ ان اعتقد أنه باعتذاره فاجأ المعارضة من حيث لم تتوقع، وانه سيدفعها الى مراجعة موقفها والتراجع عن شروطها، وهو سيكتشف عاجلا أم آجلا انه لابديل عن حكومة وحدة وطنية وعن الصيغة الحكومية التي تترجم المعادلة والتوازنات السياسية والطائفية في هذه المرحلة «صيغة 15 - 10 - 5» وهي أقصى ما يمكن ان تقدمه المعارضة.