إضافة إلى الجانب السياسي وتعقيداته، سلطت الأضواء على الجانب الدستوري من الأزمة الحكومية، وتحديدا ما يتعلق بصلاحيات وأدوار وخيارات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف او المعتذر. وفي هذا الاطار تقول مصادر خبيرة في الشأن الدستوري:
ان صيغة حكومية يسلمها الرئيس المكلف لرئيس الجمهورية ليست ملزمة للأخير ما دام الرئيسان سيوقعانها معا، مما يحملهما مسؤولية دستورية مشتركة ما إن يمهرانها. بذلك يملك كل منهما حق عدم الموافقة على ما يقترحه الآخر، سواء عند طرح الصيغة الحكومية أو عند إدخال تعديلات عليها. وهي في أي حال لا تبصر النور من دون توقيعيهما. وكما ليس للرئيس المكلف مهلة دستورية ملزمة ترغمه على التقيد بها لتأليف الحكومة أو الاعتذار عن عدم التأليف، ليس لرئيس الجمهورية أيضا مهلة دستورية ملزمة ترغمه على التقيد بها لإجابة الرئيس المكلف عن التشكيلة التي يقترحها. عندئذ، في ظل عدم اتفاقهما على صيغة حكومية يوقعانها فورا، يدخل الرئيسان الاستحقاق الحكومي في الوقت الضائع، نظرا إلى أن أيا منهما خارج نطاق توافقهما لا يسعه إلزام الآخر بما يتصوره لما ينبغي أن تكون عليه الحكومة الجديدة.
رئيس الجمهورية يقاسم الرئيس المكلف صلاحية تأليف الحكومة ما داما يوقعانها معا، ولا يسع أحدهما فرض أي تصور على الآخر، الأمر الذي عبر عنه الرئيس في اجتماعه مع معاونيه حتى ساعة متقدمة من مساء أمس بتأكيده ان رئيس الدولة ليس صندوق بريد. وهذا الموقف الذي ينطبق على البند الرابع من المادة ٥٣ القائلة باتفاق الرئيسين على تأليف الحكومة، وكذلك قبول استقالة الوزراء أو اقالتهم، يصح أيضا على البند الثاني من المادة نفسها التي لا تحيل رئيس الجمهورية صندوق بريد عند إجرائه الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة، بل تجعله معنيا بتأمين أوسع غالبية نيابية وليس بالضرورة غالبية فريق سياسي واحد كقوى 14 آذار حول الشخصية المرشحة للتأليف، وهو الدور المنوط برئيس الجمهورية، أضف أنه يوقع منفردا مرسوم تسمية الرئيس المكلف رئيسا لمجلس الوزراء. وتعكس هذه الصلاحية الدور نفسه الذي يضطلع به كمرجعية معنية بتكوين السلطة الإجرائية.
رفض الرئيس سليمان توقيع التشكيلة ينهي مفاعيل التكليف الممنوح للرئيس المكلف، وهو (أي الرئيس المكلف) اذ استمد شرعيته الدستورية من الغالبية النيابية التي سمته، فإن فاعليته تقف عند أبواب رئيس الجمهورية متى رفض التصور الأولي لتأليف الحكومة ومتى رفض الرئيس المكلف كذلك ادخال تعديلات عليه وأصر عليه كما هو، ذلك ان امتناع رئيس الجمهورية عن توقيع مراسيم تأليف الحكومة يشكل، وينبغي ان يكون كذلك، دافعا رئيسيا للرئيس المكلف للإقدام على الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة.
الاعتذار يطرح بدوره مسألة دستورية وسياسية في آن، وهي أن الرئيس المكلف يتخلى عن مهمته بالاعتذار لدى رئيس الجمهورية، بعدما حاز ثقة الغالبية النيابية التي أهلته لتأليف الحكومة الجديدة. وهو يصبح إذ ذاك أمام مرجعية واحدة هي رئيس الجمهورية الذي كان قد خسر في إصلاحات اتفاق الطائف إحدى أبرز صلاحياته، عندما ناط به الدستور منفردا تكليف الشخصية التي يرتئي لتأليف الحكومة من ضمن مواصفات يقررها رئيس الجمهورية وتراعي التوازن السياسي، ولا يكتفي بإصدار مرسوم التكليف فحسب. لم تلزمه تلك الصلاحية إجراء استشارات نيابية، مع ذلك اتبع الرؤساء المتعاقبون في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف عرف إجراء استشارات نيابية غير ملزمة، أصبحت بمرور الوقت آلية ملزمة لرئيس الجمهورية وكذلك نتائجها، وأرغمته على تكليف الشخصية التي تنبثق من إرادة طائفتها أولا وأخيرا. ترى مصادر معارضة انه وفق الاجواء الخارجية والداخلية فإن اعادة تكليف الحريري مرة اخرى بعد الاعتذار ربما يكون مستبعدا لاسباب عديدة ابرزها ان الاسباب التي ستؤدي الى اعتذاره ستبقى هي هي بعد تكليفه مجددا طالما اصر على موقفه الذي جعله يطرح تشكيلته الحكومية من «طرف واحد». وان اجواء التواصل والتفاهم السوري- السعودي تفرض العمل من اجل حكومة وحدة وطنية وليس اي حكومة اخرى، وهذا يتناقض مع ما تسرب مؤخرا بأن الحريري اذا ما جدد له سيعمل لتشكيل حكومة لا تراعي صيغة الـ 15-10-5.
وفي هذا المجال تعتقد المصادر ان العودة بالرئيس فؤاد السنيورة أمر غير مطروح وهذا يعني ان الفرصة متاحة امام مرشحين آخرين معتدلين امثال: الرئيس نجيب ميقاتي او الوزير محمد الصفدي او الوزير السابق عدنان القصار. علما بأن اوساط الرئيس الحريري وتكتل 14 آذار اعلنوا مسبقا انهم سيعيدون تسمية سعد الحريري رئيسا للحكومة في استشارات ملزمة اذا رفض اجراء تعديلات على تشكيلته خصوصا اذا كانت تعديلات سياسية.