بيروت ـ عمر حبنجر
ديبلوماسية «البال الطويل» سياسة قرر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري اعتمادها في سياق مساعيه لتشكيل الحكومة هذه المرة مع تجديد الالتزام بدورة جديدة من الحوار الداخلي المنفتح.
لكن الاستشارات المرتقبة لن تبدأ قبل نهاية عطلة عيد الفطر السعيد، في حين خصص الحريري يوم امس الخميس للجولة البروتوكولية على رؤساء الحكومة السابقين بحسب اقدميتهم، فزار كل من الرؤساء رشيد الصلح وسليم الحص وميشال عون وعمر كرامي وفؤاد السنيورة، مستثنيا نجيب ميقاتي لوجوده في الخارج.
واستنادا الى المواقف التي واكبت استشارات التكليف، يطرح السؤال الآن عن التغيير المنتظر، واي نوع من الحكومات سيبصر النور؟
الالتزام بالدستور
الرئيس سعد الحريري يرى ان دفتر الشروط الذي وضعوه لمرحلة التكليف الاولى قطع الطريق على قيام حكومة الوحدة الوطنية وعلى ترجمة الصيغة التي اتفقنا عليها مع الرئيس ميشال سليمان.
واننا الآن امام استحقاق جديد، ولا اريد ان اطلق وعودا في الهواء او ان اعطي الحكومة اوصافا اعلامية، الوعد الذي اقطعه على نفسي امام الله سبحانه وتعالى وامام اللبنانيين هو الالتزام بنصوص الدستور، واعمل في سبيل تحقيق اوسع مشاركة وطنية، واجعل من الحوار قاعدة لا رجوع عنها والتواصل بين الجميع مهما تباينت المواقف والآراء.
انسداد السبل
بيد ان اجواء التكليف الثاني لا تؤشر على جديد يمكن ان يغير صورة انسداد السبل امام تسوية داخلية محضة، مع تمسك الاطراف بمواقفها، بدليل ان الحريري وفي بيان قبول التكليف كرر اتهام المعارضة بعرقلة مساعيه لتأليف الحكومة قبل الاعتذار.
هذا الواقع يحتم الاعتقاد بأن الاطراف الداخلية تنتظر حراكا خارجيا يرسم لها المسار باتجاه الحل الحكومي او المزيد من التعقيد، والى جانب الحديث عن زيارة جديدة لموفد قطري الى بيروت ستعقبها زيارة اخرى، فإن ثمة من يراهن على جديد لبناني قد يولد من رحم القمة السورية ـ التركية.
دخول أميركي على خط الأزمة
وفي بيروت ايضا من يرى في زيارة الموفد الاميركي جورج ميتشل الخاطفة الى العاصمة اللبنانية مساء الاربعاء الماضي دخولا اميركيا على خط الازمة اللبنانية الداخلية، وقد التقى ميتشل الرئيس ميشال سليمان بحضور السفيرة ميشال سيسون، الا انه لم يدل بأي تصريح، علما ان العنوان الظاهر للزيارة يربطها بجولته الاقليمية، غير ان محطته اللبنانية اعطت اهتماما للمسألة الداخلية، حيث قدم تطمينات حول التوطين.
أي حكومة منتظرة؟
ويبقى السؤال: اي حكومة يمكن ان يخرج بها زعيم الاكثرية النيابية سعد الحريري من هذا الخضم؟
وللجواب، يتعين المرور بالمناخ العاصف الذي تعيشه الموالاة والمعارضة بين الهجمات المتلاحقة والاتهامات المتبادلة، وسط مرحلة سياسية اقليمية عسيرة وغامضة، فالمعارضة وبالذات حزب الله يتهم الموالاة بالاذعان للولايات المتحدة في تعطيل قيام الحكومة، بينما تصر الموالاة على القول ان تعطيل التأليف جاء من سورية وايران عبر وكلائهما في لبنان.
الحريري: بالي طويل
ورغم كل ذلك، فإن الرئيس المكلف سعد الحريري يؤكد ان باله سيكون اطول من المرحلة السابقة، ما يؤشر على ازدياد التعقيدات وتراكمها بين التكليف الاول والتكليف الثاني، خصوصا بعد تظهير المعارضة للتكليف الثاني من لون واحد بامتناعها عن تسمية الحريري او سواه.
استشارات التأليف يوم الأربعاء
وينتظر تبلور ردود فعل المعارضة مع بدء الاستشارات من جانب رئيس الحكومة المكلف، والذي بدأها امس بالزيارات البروتوكولية لرؤساء الحكومة السابقين، مستهلا بزيارة العماد ميشال عون في الرابية بصفته رئيس حكومة سابقا، اما استشارات التأليف مع النواب في مجلسهم فهي مقررة يوم الاربعاء المقبل بعد عطلة عيد الفطر.
في غضون ذلك، يطرح الخبراء والمستشارون مشاريع حلول حكومية بمعزل عن الاعتبارات الخارجية تسهيلا لمهمة الرئيس المكلف، وذلك على اساس الصيغة التي اتفق عليها في مرحلة التكليف الاولى اي 15 ـ 10 ـ 5، ويبدو ان الاجتماع الذي انعقد في القصر الجمهوري بين الرئيس سليمان والعماد عون والوزير جبران باسيل تناول هذه الجهود سعيا لملاقاة التكليف الثاني بصيغ وتركيبات قابلة للحياة.
جنبلاط الوسيط
رئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط مرشح لدور داعم في هذا المجال، وقد ابدى امس استعداده للقيام بدور «اذا ما طلب مني ذلك»، وقال: لابد من التفاؤل بتشكيل الحكومة، واذا تشكلت حكومة وحدة وطنية فستكون مجالا لحوار القوى الاقليمية والدولية ومن الافضل بالنسبة الى هذه المحاور التي تدعي الحرص على لبنان المساعدة على تأليف الحكومة، فليحاوروا في الداخل، بدل خنق المولود الجديد الذي هو الحكومة في المهد.
لماذا هذا التركيز على الدستور؟
اوساط الاكثرية النيابية وردا على سؤال لـ «الأنباء» حول مغزى تركيز الرئيس المكلف على الدستور واحترام الدستور والالتزام به والدفاع عنه وعن مشروع الدولة وعن دستور الطائف، قالت ان المغزى من هذا القول هو ان الاتفاقات المتبعة حول الصيغ والحقائب والاسماء لن تكون مرجعية التفاوض الحكومي في مرحلته الجديدة، بل الدستور نفسه هو من يتم الاحتكام اليه لتأليف حكومة لبنانية ميثاقية منسجمة بعيدا عن اوصاف الوحدة او الائتلاف او الشراكة وسوى ذلك، والعبرة في تلبية احتياجات الناس وليس توزير هذا الصهر او ذاك الشقيق.
ثلاثة مواعيد خارجية
هذه الاوساط ربطت ساعة تشكيل الحكومة بثلاثة مواعيد خارجية: الاول بنتائج محادثات الاسد مع رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان في ضوء معلومات عن اثارة الجانب التركي مع الجانب السوري الاوضاع في لبنان ضمن التأكيد على ان سورية تعتبر ان ترتيبات الاستقرار في المنطقة استقرار الوضع في لبنان، وهذا ما يتطلب قيام حكومة جامعة.
والثاني بنهايات المفاوضات الاميركية ـ الايرانية حول الملف النووي لطهران، في ضوء التفاهم الذي تطرحه طهران على كل الامور الشائكة في المنطقة ومنها لبنان، والثالث يتصل بجلاء التحقيقات الدولية بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه ومرافقيه في ظل تقدم التحقيق في مجال الادلة المقبولة بالمعايير الدولية، وهو ما شجع المدعي العام بلمار على التصريح بامكانية استدعاء الجنرالات الاربعة المخلى سبيلهم الى التحقيق مجددا.