في حين يسيطر الجمود السياسي في لبنان وسط التعثر المستمر في تشكيل الحكومة الجديدة بفعل العراقيل والشروط والشروط المضادة التي يصر عليها فريقا الموالاة والمعارضة، يبدو الوقت الضائع في المشهد السياسي الداخلي مناسبا جدا بالنسبة للعديد من الأحزاب، لاسيما المسيحية منها، كي تنصرف الى ورشات تنظيمية لترتيب شؤونها الداخلية ومراجعة أوضاعها مستفيدة من تجربة الانتخابات النيابية الأخيرة، وعلى أبواب استحقاق انتخابي آخر هو الانتخابات البلدية...
1- القوات اللبنانية: أروقة معراب اليوم أشبه بخلية نحل والجميع منهمك في تنظيم المؤتمر العام الذي تنطلق عملية الاعداد له بعد شهرين، وينعقد مطلع الربيع المقبل.
فبعد تأجيل أكثر من مرة خلال الأعوام الماضية بفعل التطورات السياسية والأمنية المتلاحقة، تعقد القوات هذا المؤتمر وهو يكتسب «صفة تأسيسية» كونه الأول من نوعه منذ قيام حزب القوات مطلع التسعينات، وهو يرتكز أساسا على مبدأ الديموقراطية بحيث تنتخب الوحدات الحزبية مسؤوليها وممثليها في المؤتمر الذين بدورهم ينتخبون قيادة القوات.
وقد سمحت الأجواء المحلية والاقليمية التي تشهد حالة من الركود السياسي في الأسابيع الماضية للدكتور سمير جعجع بقراءة مسودة النظام العام التي أقرتها ندوة المحامين في القوات، ودفعت باللجنة التنفيذية الى تحديد موعد المؤتمر التأسيسي وانطلاق التحضيرات وفق منهجية على مراحل تتضمن توزيع مسودة النظام الحزبي بعد اقرارها على المناطق والقطاعات القواتية وعلى مكاتب القوات في دول الانتشار لإبداء الملاحظات.
كما تتضمن فتح باب الانتساب الى الحزب واطلاق العملية الانتخابية الداخلية لإدخال دم جديد الى الحزب، على ان يلي كل ذلك المؤتمر الحزبي العام الذي يطرح مختلف الأمور الحزبية والسياسية والوطنية للنقاش وتشكيل لجان في مختلف الميادين والحقول لوضع برامج وآليات عمل للسنوات المقبلة.
2- الكتائب اللبنانية: في حزب الكتائب اليوم ورشة تنظيمية كبيرة هي بالأحرى «نفضة» تعيينات تبدأ من الأعلى وصولا الى أسفل الهرم تبغي احداث حركة في الحزب ذي الـ 72 عاما، وضخ دم شبابي جديد يواكب المرحلة التي يعد لها النائب سامي الجميل الذي يتولى منصب منسق اللجنة المركزية في الحزب، وهو يطرح أفكارا تنظيمية ويتبنى مواقف سياسية هي أقرب ما تكون الى «الصدمات الكهربائية» التي يعتقد ان هذه المؤسسة الحزبية بأمس الحاجة اليها بعد سلسلة العثرات التي واجهتها على المستوى «العقائدي».
ويتردد داخل الأوساط الكتائبية ان النائب الجميل الذي بدا ان والده الرئيس الجميل يتأثر بأسلوبه وليس العكس يسعى الى «تحريك» القاعدة الحزبية لتكون أكثر فاعلية، خصوصا على الساحة المسيحية التي تشهد تنافسا بين قوى متعددة على اجتذاب المؤيدين.
وثمة أسباب موضعية تقف وراء «النفضة» الكتائبية لعل أولها تجربة الانتخابات النيابية التي خاضها الحزب في أكثر من دائرة حيث يفترض ان القيادة خلصت الى استنتاجات تقويمية لأداء التنظيم وتحديدا ماكينته الانتخابية، أما ثانيها فهو التحضير للانتخابات البلدية التي ستسمح للحزب بتثبيت قدمه على الساحة المسيحية بعد انكفاء طويل، أما ثالثها فيكمن في الخطة الموضوعة لتفعيل المواقع الحزبية لاسيما القيادات منها من خلال الفصل بين «الوظائف» بمعنى عدم الجمع بين منصبين تنظيميين أو بين حقيبة وزارية أو مقعد نيابي وبين رئاسة اقليم نظرا الى تفعيل هذه المواقع من خلال التفرغ لها.
3- التيار الوطني الحر: بعد الانتخابات النيابية بحوالي أسبوعين، بدأ يكثر الكلام في أوساط الناشطين في التيار عن وجود برنامج لدى العماد ميشال عون لإنعاش اللجان في التيار الوطني الحر ومحاسبة المخفقين.
وهو أمر يؤكده عون الذي يشير الى ان النظام الداخلي للتيار يتضمن مادة تسمح بمراجعته بعد عامين.
وهو أمر سيحصل وسيترافق مع نشاط اضافي لتعزيز الوضع التنظيمي والدخول في مرحلة تعزيز آلية التثقيف السياسي داخل التيار وتفعيل العمل الحزبي بما يضمن آليات عمل أكثر فاعلية.
ويجري حاليا وضع صيغة أولية لشكل اللجان الجديدة ودورها في ظل اشارات الى نية عون التفرغ في المرحلة المقبلة لإعادة هيكلة حزب التيار الوطني الحر واجراء انتخابات داخلية فيه.
وهذا الأمر هو واحد من أهداف اجتماع الهيئة التأسيسية للتيار الذي دعا اليه عون غدا الأربعاء وهو الأول من نوعه منذ ثلاث سنوات.
ويراهن عون بقوة على الدورة التنظيمية لسد الكثير من الثغر وللرد على المعترضين على أداء التيار في الآونة الأخيرة، ولتفعيل المشاركة والدور في مواجهة التحديات والاستحقاقات المقبلة لاسيما الانتخابات البلدية.
ويبدو ان العماد عون يريد ان يستهل الورشة من «نقطة الصفر» وتحديدا من النظام الداخلي الذي جرى اقراره في يونيو 2006 (اقترع 62 شخصا لصالح النظام المقترح وعارضه 54).
4- الحزب التقدمي الاشتراكي: ستون عاما هي عمر النظام الداخلي للحزب الاشتراكي، وفي العام 92 شهد آخر تعديل له، وفي السابع من ديسمبر 2008 يوم انتخاب مجلس قيادة الحزب جرى الاتفاق على عقد جمعية عمومية تنظيمية لبحث الشؤون الداخلية للحزب على ان يكون موعدها بعد الانتخابات النيابية، وهذا ما حصل.
الهم الحزبي طاغ على ما عداه، خاصة اشراك الشباب في المسؤوليات الحزبية وغيرها من القضايا التي أهملها التقدمي منذ دخوله جنة السلطة.
ويقوم مسؤولو مفوضية الداخلية في الحزب بلقاءات في المناطق حيث تعقد جمعيات عمومية لشرح أفكار الحزب بعد «الانعطافة» المستجدة لدى رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط.
وتتحدث مصادر قيادية عن استيعاب جمهور الحزب للخيار السياسي الجديد الذي تقدمه في عملية «نقد لسلبيات المرحلة الماضية وثغرها».
أما الورشة التنظيمية فتحمل عنوان «التجدد والتنشئة الحزبية»، وقد تبين بناء على القرارات الواردة من الكوادر الحزبية: أهمية التواصل الدائم والفعال مع الناس/ ضرورة التجديد والتطوير في المسؤوليات والقيادات ورفع السقف على مستوى كل المسؤوليات، واشراك جيل الشباب والنساء/ تفعيل آلية العمل الحزبي في المناطق.
بموازاة هذه الحركة، يشهد الحزب ورشة تعيينات واسعة تبدأ من رأس الهرم بعدما قام رئيس الحزب خلال الجمعية العمومية الأخيرة بإعفاء كل المسؤولين الحزبيين من مهامهم باستثناء مجلس قيادة الحزب المنتخب أصلا، وقد شمل الاعفاء المفوضين وصولا الى مديري الفروع والهيئات الادارية، وتم اختيار عدد من المفوضين ومديري الفروع بعد استشارة الهيئة العامة للفرع وتثبيته بقرار رئاسي.
5- حركة أمل: تعيش استقرارا حزبيا وتنظيميا أكدت عليه وقائع ونتائج المؤتمر العام «السريع» الذي عقد ليوم واحد بعد الانتخابات وتم فيه تثبيت الوجوه والشخصيات البارزة والمخلصة للرئيس بري في مواقعها.
حركة أمل مطمئنة الى وضعها على المستويات السياسية والشعبية والتنظيمية وذلك لثلاثة عوامل: زعامة نبيه بري الثابتة والمستقرة وهو صاحب دور أساسي ومحوري في الحكم واللعبة السياسية، والتحالف الثابت مع حزب الله الذي يشكل عامل دعم للحركة ويخفف عنها أعباء المعارك الانتخابية على الساحة الشيعية، والوجود المتجذر للحركة وأنصارها في مؤسسات الدولة واداراتها.