قدم الرئيس المكلف سعد الحريري نموذجا جديدا من الاستشارات النيابية غير الملزمة التي تسبق تأليف الحكومة. فقد خرج الحريري من الاطار التقليدي الجامد للاستشارات وتجاوز فيها الموضوع الحكومي، تركيبة وحقائب وأسماء، الى مواضيع سياسية ووطنية وما يتصل ببرنامج الحكومة المقبلة والاطار الذي ستعمل من ضمنه.
وفي الشكل أفسح الحريري في المجال أمام النواب والكتل للتعبير عن آرائهم ولم يلتزم ببرنامج الوقت المحدد الذي يحسب بالدقائق، وليس كافيا للدخول في حوار عميق يتطلع اليه الرئيس المكلف يستخرج من خلاله الآراء النيابية في جميع القضايا المطروحة التي تتجاوز توزيع الأسماء والحقائب الى الشؤون الأمنية والاقتصادية والسياسية التي يجب ان تؤخذ في الاعتبار خصوصا في ظل التوتر المسيطر على المنطقة والتعقيدات الاقليمية التي لاتزال مؤثرة وتقف وراء تأخير ولادة الحكومة الجديدة.
ويتوخى الرئيس المكلف من هذه المشاورات الدخول في حوار «بلا قفازات» يتناول كل القضايا، بما فيها تلك الحساسة ليكون في مقدوره وضع أسس جديدة للتفاوض انطلاقا من وضوح الكتل في مطالبها، لاسيما ان مراجعته للتجارب السابقة في مفاوضات التكليف الأول استدعت الانفتاح على الكتل ومكاشفتها بكل ما تريده من الحكومة، انما على قاعدة التفاوض هذه المرة على أساس السلة الشاملة سواء في تسمية الوزراء أم توزيع الحقائب. وقالت مصادر نيابية مواكبة للاستشارات ان عامل الوقت يسهم في استكشاف المواقف على حقيقتها ويدفع باتجاه اعطاء الفرصة للكتل النيابية للبوح بما تريده ان على صعيد ممثليها في الحكومة أو الحقائب التي تريدها للكتلة. فالحريري أراد من توسيع المشاورات النيابية الوقوف على رأي الكتل النيابية في كل شاردة وواردة، ليكون في وسعه التفاوض معها على أمور واضحة يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة في التفاوض خلافا للمرحلة السابقة عندما كلف لأول مرة بتأليف الحكومة، حيث اصطدم بعقبة الشروط التي أخذت تظهر تباعا كلما اعتقد أنه نجح في تحقيق تقدم على طريق الإسراع بتوفير الأجواء لتأمين ولادة طبيعية للحكومة.
التعديل الذي أدخله الرئيس الحريري على عملية الاستشارات وطريقة التأليف ومقاربة المسألة الحكومية، قابله من جهة العماد ميشال عون تعديل مماثل في طريقة التفاوض. وتفيد أوساط قريبة منه ان «المطلوب الآن من الحريري ان يطرح ما لديه على قاعدة التكليف الجديد.
ولكن رغم الطابع المختلف في الظاهر لإدارة الرئيس المكلف سعد الحريري استشارات تأليف الحكومة، إلا أنها تراوح مكانها بإزاء ما يمكن أن تؤول إليه. لا الرئيس المكلف يريد التعهد سلفا بأي موقف قبل تيقنه من نجاح مهمته في التأليف، ولا المعارضة تتصرف كأن اعتذاره الأول أربكها كي تكون أكثر تساهلا. ولأن الطرفين ينظران بتناقض إلى مقاربة كل منهما الاستحقاق الحكومي المؤجل، فلا أحد منهما يوحي باستعداد لتقديم تنازل كبير للآخر. أما ما لا يمكن عده تنازلا لكليهما، فهو عودتهما المرتقبة معا الى معادل 15+10+5 كصيغة ممثلة لحكومة الوحدة الوطنية، خصوصا أن الطرفين، مع الرئيس ميشال سليمان، اتفقوا عليها في الأسبوع الخامس من التكليف الأول واعتبروها منصفة للجميع من جهة، وأكدا من خلالها التزامهم مفاعيل اتفاق الدوحة، الأمر الذي يرجح استعادة هذه المعادلة في المرحلة التالية لاستشارات التأليف كمدخل جدي للاتفاق مجددا على الحقائب والأسماء.