يسود ترقب في بيروت لزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الاستثنائية الى سورية، وثمة «شبه اجماع» ان لهذه الزيارة الحاصلة هذا الأسبوع انعكاسات ايجابية على الوضع في لبنان وتحديدا على موضوع الحكومة. ولكن التفاوت حاصل في شأن حجم هذا التأثير، اذ يرى البعض ان للتقارب السوري ـ السعودي دورا حاسما في بت أزمة الحكومة، بينما يرى البعض الآخر ان لهذا التقارب دورا أساسيا مساعدا لكنه غير حاسم، لأن «المفتاح اللبناني» ليس كله في يد سورية والسعودية، و«القفل الحكومي» لا يفتحه تفاهم سوري سعودي فقط.
في الواقع ثمة اهتمام لبناني متزايد بدور وتأثير كل من ايران والولايات المتحدة في الشأن اللبناني وفي الأزمة الحكومية راهنا، وبموازاة انكفاء الحديث عن «العقدة الداخلية» في ظل تقدم عملية التقارب السوري ـ السعودي وترقب لنتائج زيارة خادم الحرمين ولقاءاته مع الرئيس الاسد، يتصاعد الحديث عن «العقدة الخارجية» وتسلط الأضواء أكثر على دور كل من ايران واميركا في لبنان ومسؤوليتهما في تأخير ولادة الحكومة واطالة أمد الأزمة، ويجري ذلك وسط تضارب مكشوف في القراءة السياسية «الاتهامية» الصادرة عن طرفي الصراع:
- 1 - في قراءة فريق المعارضة ان الادارة الاميركية لديها تحفظ واعتراض على التسوية السورية السعودية حول لبنان وعلى الحكومة المنوي تشكيلها لأنها تعطي المعارضة وحزب الله، خصوصا مكاسب سياسية لا تتناسب مع نتائج الانتخابات والثلث المعطل ولو بصورة مموهة، ولأنها تعطي سورية نفوذا ووضعا متقدما في لبنان من دون ان تكون هي أعطت تنازلات وتقديمات بالمقابل في ملفات العراق.
ويصل فريق المعارضة الى الاستنتاج بأن التدخل الاميركي الذي أدى الى تعثر التفاهم السوري ـ السعودي وعدم اكتماله قبل أشهر ما أدى تاليا الى فشل عملية تشكيل الحكومة في جولتها الأولى التي انتهت الى الاعتذار واعادة التكليف، مازال قائما بأسبابه ومظاهره استنادا الى المواقف المريبة للسفيرة ميشيل سيسون المحرضة على حكومة الـ 15 - 10 - 5 والتعاطي الاميركي المكثف مع الوضع في لبنان (اتصالات نائب الرئيس بايدن وزيارات مسؤولين).
وهذا التحرك يمر بشكل واضح عبر معراب ومواقف سمير جعجع الذي يلعب دور رأس الحربة بدلا من وليد جنبلاط، وبشكل خفي عبر قريطم للتشويش على عملية تشكيل الحكومة وتشجيع سياسة كسب الوقت.
- 2 - في قراءة فريق الأكثرية ان هناك مستويين للعرقلة، سوري وايراني، ولكن ايران التي باتت تتمتع بالنفوذ الأقوى في لبنان باتت هي المتحكمة في أزماته وتسوياته، وهي التي تعوق عملية تشكيل الحكومة اللبنانية انطلاقا من أمرين أساسيين:
ـ الأول له علاقة بالاعتراض الايراني على التقارب السوري ـ السعودي ومفاعيله في لبنان وفي ساحات عربية أخرى، خصوصا ان الانفتاح السعودي على سورية يتم من خلفية تشجيعها على أخذ مسافة من ايران والكف عن تغطية تدخلاتها في المنطقة العربية، ما اضطر دمشق الى فرملة اندفاعاتها في خطوات التفاهم مع السعودية والى مراعاة هواجس طهران، وما أدى أيضا الى الحد من رغبة ومن قدرة سورية على التدخل لدى فريق المعارضة للضغط عليه.
ـ الثاني له علاقة بالمواجهة المفتوحة بين ايران والمجتمع الدولي وحاجة طهران الى الورقة اللبنانية وعدم وجود مصلحة لديها في وجود حكومة ووضع مستقر في لبنان قبل ان تطمئن الى وضعها التفاوضي ومسار التسوية، والسبب ان ايران في مواجهة كبرى مع الغرب، وفي سياق هذه المواجهة الأوراق الايرانية قليلة قياسا بأوراق الدول الغربية بمؤسساتها وقدراتها، فهي تستخدم الورقة الشرق أوسطية (لبنان، غزة والعراق) لذلك.