يستند «المتفائلون» بقرب ولادة الحكومة الى عاملين: الأول «خارجي» هو التقارب السوري - السعودي الذي يبلغ مرحلة متقدمة تصعب بعدها العودة الى الوراء مع وصول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى سورية في زيارة «احتفالية استثنائية». والثاني «داخلي» هو التقارب «العوني الحريري» الذي نشأ في معرض البحث عن تسوية للأزمة الحكومية، وحيث يمكن لهذا الاختراق الأولي في العلاقة بين عون والحريري ان يتسع ويتطور بعد الحكومة، لتتسع عملية خلط الأوراق التي كان النائب وليد جنبلاط أطلقها مباشرة بعد الانتخابات ويحدث «انكسار» في حدة الفرز السياسي الطائفي الذي رزحت البلاد تحت وطأته منذ العام 2006. ولأن تطورا من هذا النوع محتمل ووارد، فإن الاهتمام الجاري باللقاءات التفاوضية بين رئيسي أكبر كتلتين نيابيتين، تجاوز موضوع الحكومة والاتفاق الذي بات في مراحله النهائية، الى مرحلة ما بعد الحكومة والمسار السياسي الذي ستسلكه العلاقة بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر.
اذا كان من تغييرات طرأت في المعطيات السياسية والعوامل المؤثرة في تشكيل الحكومة، فإن أبرزها ما يتعلق بتطور العلاقة بين الحريري وعون والمناخ الجديد الذي يحكمها.
فهذه العلاقة شهدت تقدما سريعا، وان كان مازال هشا وقابلا للانهيار، في عملية اعادة بناء الثقة بين الطرفين وعلى أساس اجراءات وخطوات تم الاتفاق عليها ويجري الالتزام بها وتتعلق بوقف الحملات الاعلامية وكل أشكال الضغوط الموازية للمفاوضات الحكومية، واعتماد المصارحة والمكاشفة في الحوار السياسي بعيدا عن الحسابات والنيات المضمرة والخفية، وتفهم كل طرف لهواجس ومآخذ الطرف الآخر ومراعاة أوضاعه وحاجاته، واعتراف كل طرف بالحجم السياسي والشعبي للطرف الآخر والتعاطي على هذا الأساس ومبدأ الشراكة في الحكم.
وفي ظل الهدنة السياسية - الاعلامية، بدأت «المفاوضات الحكومية» وحيث أظهر الحريري رغبة في ان تكون ثنائية مباشرة من دون حضور «طرف ثالث» حتى لو كان من أقرب المقربين اليه (نادر الحريري) أو الى الجنرال عون (جبران باسيل). وبعد خلوة عقدت على هامش الاستشارات واتفق فيها على خطوط وعناوين عريضة، أحرز تقدم واضح في اللقاء المطول الذي عقد في «بيت الوسط» أمس الأول وتخلله غداء عمل، ما ساهم في كسر ما تبقى من «جليد العلاقة». وتفيد معلومات سياسية متوافرة بان البحث دخل في الحقائب من دون الأسماء التي أرجئت الى اللقاء المقبل وبعدما يكون الاتفاق على توزيع الحقائب قد اكتمل مع سائر القوى السياسية. وقد انطلق البحث من التشكيلة الحكومية التي رفعها الحريري قبل اعتذاره والتي تحولت أساسا للتفاوض على ان يتم ادخال تعديلات عليها مثل اعتماد مداورة جزئية في الحقائب تتركز أكثر داخل الفريق الواحد (وزارة العمل تعود الى حزب الله ووزارة الصحة تؤول الى عون مقابل وزارة التربية لبري. أما وزارة الاتصالات فقد وضعت جانبا ومصيرها يتحدد في ضوء توزيع الحقائب والتوازنات، بين ان تبقى في يد المعارضة أو تخرج من يدها، ولكن مقابل وزارة سيادية...).
مما لا شك فيه ان عوامل عدة تدفع في اتجاه تفاهم الحريري وعون حول الحكومة أولها عامل التقارب السعودي - السوري الذي أرخى بظلاله على مجمل الوضع اللبناني بحيث يصعب على أي جهة في لبنان ان تظل خارج السياق السياسي العام الذي أوجده والا تكون منخرطة في مسار التسوية التي تنطلق من تشكيل الحكومة. وثانيها موقف حزب الله الذي دفع في اتجاه هذا التفاهم وشجع عليه عبر نصيحة مزدوجة أسداها للطرفين: من جهة نصيحة الحزب للحريري بحوار مباشر مع عون والاستماع اليه وأخذ ما يريده في الاعتبار، ومن جهة ثانية نصيحة الحزب لعون بإظهار المرونة وتليين الموقف وتغيير أسلوب التفاوض وكسر الحلقة المفرغة بعدم معاودة طرح المطالب ذاتها وتلقي الردود ذاتها. يضاف الى ذلك الحسابات الذاتية في ضوء تجربة التأليف الأولى والتقييم الذي أجراه الطرفان والاستنتاجات و «العبر» التي خلصا اليها.
فالعماد عون الذي أتعبته حملات مركزة في استحقاقات متعاقبة (الرئاسة والانتخابات والحكومة)، لا يريد ان يظل في موقع من يتحمل مسؤولية تأخير أو تعطيل عملية الحكومة والرئيس سعد الحريري في ضوء التجربة الأولى أدرك ان طريقه الى السرايا الحكومي يمر في الرابية، وانه لابد من طريقة للتفاهم مع عون، وان الاعتذار مرة ثانية يعادل في مغزاه السياسي «الاعتزال». ولكن السؤال الذي يطرح في ضوء التقاطع الحكومي الحاصل بين عون والحريري هو كيف سيتطور هذا المناخ الجديد وأي مدى يبلغه؟ من المبكر والسابق لأوانه الحديث عن تفاهم سياسي يتجاوز الحكومة ويغطي مرحلة ما بعدها، أو الحديث عن اهتزازات داخل الفريق الواحد بين عون وحلفائه أو الحريري وحلفائه. ولكن ما هو واضح ان الاختراق الحاصل في العلاقة بين عون والحريري يستند الى أسباب أخرى غير حكومية، وان هذه العلاقة قابلة للدخول في مرحلة جديدة.