خرج العماد ميشال عون من الاجتماع الأسبوعي لتكتل الإصلاح والتغيير ليفاجئ الجميع بالتصعيد والتشدد في موقفه الحكومي بإعلانه «انه يحتفظ بالوزارات الحالية مع المطالبة بوزارة سادسة لأن عدد أعضاء تكتله ارتفع من 21 الى 27 نائبا». رفع عون «السقف» و«النبرة» في آن منتقدا الحريري لإخلاله بمبادئ وقواعد اتفق عليها، ومؤكدا انه «لن يسمح لأحد مهما كانت مكانته عالية في هذه الدولة بأن يمنع علينا أي وزارة».
هذا الموقف أدى الى نتيجتين: تأجيل اللقاء بين عون والحريري، وهو لقاء كان متوقعا ان يكون اللقاء الأخير أو ما قبل الأخير يعرض فيه الحريري «سلة حقائب» ليختار عون على أساسها أسماء وزرائه وبما يتناسب مع كل حقيبة، أما النتيجة الثانية فهي قطع موجة «التفاؤل العارم» الذي اجتاح الأوساط السياسية وبدأته المعارضة قبل وبعد القمة السورية ـ السعودية لتكمله الأكثرية منذ أيام وتعمد الى التكتيك السياسي ذاته لإبعاد مسؤولية الأزمة الحكومية عنها، فجأة لم يعد السؤال هل تشكل الحكومة ومتى؟ وتحول في اتجاه آخر: لماذا «صعد» عون موقفه؟ وكيف سينعكس هذا الموقف على تشكيل الحكومة؟ في الواقع، أعطي موقف عون أكثر من تفسير وسبب:
1 ـ لم يكن عون مرتاحا لمسار المفاوضات مع الرئيس المكلف سعد الحريري بعدما لمس تراجعا في آخر اجتماع لهما في بيت الوسط عما كان عليه الوضع في اجتماع الرابية. ففي الاجتماع الأخير أظهر الحريري تمسكا بموقفه الرافض لبقاء وزارة الاتصالات من ضمن حصة تكتل الإصلاح والتغيير، وعارضا في المقابل 4 حقائب هي التربية والعمل والمهجرين والثقافة ووزارة دولة، وهو ما اعتبره عون دون المستوى المطلوب والمقبول ولا يلبي مطلبه القائل إن التخلي عن الاتصالات لن يحصل إلا مقابل وزارة سيادية أو مقابل «عرض مغر» لم يحصل عليه حتى الآن.
2 ـ بدا العماد عون منذ أيام مرتابا بحركة المواقف والتصريحات لدى فريق الأكثرية، خصوصا لجهة ما انطوت عليه من مغالاة في التفاؤل وهو ما اعتبره مؤشرا الى جهوز تشكيلة حكومية جديدة يعرف القائمون بها انها ستكون مرفوضة منه، بحيث بدت حملة التفاؤل بمثابة حملة استباقية لتحميله مسؤولية تفشيل ولادة الحكومة، فكان ان أقدم عون على اعتراض استباقي أو «وقائي» على حصته الوزارية حتى لا يكون اعتراضا لاحقا ويسهل اتهامه بالعرقلة.
3 ـ شعر عون الذي يخوض مع الحريري عملية بناء ثقة بأن هناك خروقات وإخلالا بما تم الاتفاق عليه، سواء لجهة خرق مبدأ سرية المداولات والاجتماعات والتحول مجددا الى «لعبة التسريبات الاعلامية» للحقائب والحصص وكان أكثر ما أثار عون فيها الترويج لفكرة انه تنازل عن وزارة الاتصالات بعدما ضمن توزير جبران باسيل، في حين يعتبر هو ان توزير باسيل لا يمثل تنازلا من الحريري وان تخليه عن الاتصالات له ثمن، أو لجهة الإخلال بمبدأ اعتماد المداورة، وحيث تبين ان كل الأطراف متمسكون بحقائبهم ولا يتنازلون عنها، ما أدى الى ان تصبح كل الوزارات السيادية خارج متناول عون (الدفاع والداخلية والمالية والخارجية)، وان تنضم إليها وزارتان أساسيتان هما الأشغال التي يتمسك بها جنبلاط ووزارة العدل التي يتمسك بها جعجع مادام لم يعط «بديلا موازيا لها». وهذا الوضع دفع عون الى التمسك بوزارة الاتصالات حتى لا يكون التنازل من جهته فقط، والى ان تصبح المداورة شاملة لا جزئية أو أحادية.
4 ـ العماد عون فوجئ بحركة رئيس القوات اللبنانية د.سمير جعجع ودخوله القوي على خط تشكيل الحكومة للتأثير على مجرياتها، وربما يكون هذا التطور أكثر ما أزعجه وأثاره. فقد رعى جعجع اجتماعا لمسيحيي 14 آذار في معراب هدف الى تقديم الدعم والمساندة للرئيس المكلف، ولكن أيضا الى تظهير كتلة مسيحية تمثل ثقلا سياسيا ونيابيا وشعبيا وتوازي تكتل الاصلاح والتغيير ويحق لها ان تنافسه في التمثيل الحكومي كما ونوعا، وبعد ذلك أطلق جعجع معلى شاشة العربية موقفا من تشكيل الحكومة أكد فيه ان الاتصالات لن تكون لحزب الله وان الداخلية لن تكون للتيار الوطني الحر، وهو ما اعتبره عون موقفا استفزازيا يؤخر ولا يقدم، منتظرا موقفا وتوضيحا من الحريري.
ولكن الحريري الذي لم يجد نفسه معنيا بأي موقف تأكيدا أو نفيا، «ظهر» في معراب بعد هذا الموقف مجتمعا بكتلة القوات النيابية وخاصا جعجع بالتفاتة معبرة في توقيتها ومغزاها السياسي، وهذه الزيارة اعتبرها عون تأكيدا لما كان يراوده من شكوك بأن هناك تنسيق مواقف وأدوارا ضمن فريق الأكثرية لحشره وإحراجه. وان الحريري ليس في يده وحده زمام التأليف وغير قادر على اتخاذ ما يلزم من قرارات صعبة وعروض جدية ونهائية.
أيا تكن الأسباب التي دفعت بالعماد عون الى تصعيد موقفه، المهم الآن معرفة النتائج المترتبة على هذا الموقف، وما اذا كان ينسف عملية التشكيل أم يعيدها الى مسار جديد، وبالإجمال بدا الوسط السياسي في بيروت اليوم متوزعا في اتجاهين:
الأول: يقول ان ما فعله عون من دخول اعتراضي للفت الأنظار واثبات الوجود، يهدف الى تحسين شروطه وموقعه التفاوضي ويؤكد ان عملية الحكومة بلغت مراحلها الأخيرة والحاسمة، وإذا كان الأمر كذلك، فإن مفاوضاته مع الحريري ستستأنف في القريب العاجل.
الثاني: يقول ان موقف عون لا يعكس مناورة تفاوضية بقدر ما يعكس الأزمة الحكومية على حقيقتها ويعيدها الى نقطة البداية، ليتأكد انها أزمة تدور في الحلقة المفرغة ذاتها، وان كل التفاؤل الذي ساد في الفترة الأخيرة لم يكن مبنيا على أسس واضحة وعملية وانما يدرج أكثر في اطار «تمنيات ومناورات»، وان القمة السورية ـ السعودية لم تكن كافية لانتاج حكومة جديدة لأنها لم تتدخل في التفاصيل الحكومية وتفادت التورط في لعبة الأحجام والتوازنات الداخلية.