أحمد عز الدين
الوتيرة التصاعدية لمسار الخروقات الاسرائيلية في الجنوب تضيق الخناق على حكومة نتنياهو عشية تقديم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تقريره نهاية اكتوبر الحالي الى مجلس الأمن الدولي حول مسار تنفيذ القرار 1701. وقبل ان تحاول اسرائيل المحاصرة بتقرير غولدستون حول جرائم الحرب التي ارتكبتها في غزة ان تستثمر الانفجار الذي حصل في منزل احد عناصر حزب الله قبل أيام في منطقة عمل القوات الدولية، جاء الكشف عن اجهزة التجسس التي زرعها الجيش الاسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية لمراقبة حركة حزب الله والمقاومة، الأمر الذي اضطره لتفجير هذه الاجهزة عبر الطائرات لمنع الجانب اللبناني والمقاومة تحديدا من فك رموزها والاستفادة منها وكشف التقنيات المستخدمة عبرها.
وفيما حاولت اسرائيل الإيحاء بأن هذه الاجهزة قد زرعت خلال احتلالها لهذه المنطقة ابان حرب يوليو 2006، بهدف التقليل من حجم الخرق للقرار 1701 وليس نفيه، فقد أكدت مصادر أمنية لبنانية ان هذا الخرق حصل بعد الحرب وليس خلالها، بدليل ان شبكة الهاتف السلكية التي وضعت الاجهزة عليها للمراقبة والتنصت قد أنشئت بعد الحرب، وتاليا فإن الخرق حصل بعدها وليس قبلها حصرا.
ويأتي التصعيد ميدانيا على الأرض وسط لغط حول دور القوات الدولية المتهمة بغض الطرف عن الكثير من الخروقات عشية التقرير الدوري للأمين العام للأمم المتحدة خلال اسبوع حول القرار 1701 حيث يتوقع ان يتضمن الهواجس من عدم الالتزام بمضامينه، وفي الجانب اللبناني هناك توقع بأن يحمل التقرير اشارات واضحة للخروقات الاسرائيلية المتزايدة على الحدود وجوا وبحرا، خصوصا في موضوع التجسس، حيث يتم كشف وسائلها الواحدة تلو الأخرى فبعد شبكات العملاء التي تهاوت في الأشهر الماضية بشكل قياسي، جاء دور اجهزة التجسس على شبكات الهاتف، ولا أحد يدري ماذا بعد؟ واذا كانت نصبت في الأيام الماضية جهاز ارسال لاقط قرب الحدود فإن مصادر أمنية ترى انه ربما يهدف الى دفع الجانب اللبناني لصرف النظر عن وسائل تجسس اخرى داخل الأراضي اللبنانية، وعدم السعي للكشف عن المزيد منها.
وفي هذا الوقت يتوقع ان تصل خلال أيام الى بيروت مسؤولة دولية رفيعة المستوى للبحث في آليات القرار 1701 وسبل «شدشدة» هذه الآليات وتعزيز الالتزام بها، بعدما تعرضت للاهتزاز خلال الآونة الأخيرة نتيجة تزايد الخروقات التي شكلت مصدر قلق للقيادة الدولية، من منطلق ان استمرار وتيرة التراجع في الالتزام ببنوده يعرض الهدوء على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية للخطر.
من جانبها، اسرائيل الخارجة من معركة خاسرة بشأن تقرير غولدستون لن تجد امامها سوى التركيز على زيادة التسلح لدى حزب الله، وقد بدا الارباك واضحا على الحكومة الاسرائيلية بعد الفشل في منع مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان بكل الوسائل من التصويت على التقرير الذي يدين جرائمها في الحرب على غزة مطلع العام الحالي، ولم تستطع سوى تأمين 6 اصوات رافضة للتقرير مقابل 25 مؤيدة و11 امتنعت عن التصويت، وهذا الارباك بدا واضحا من خلال سعي حكومة نتنياهو لتعديل قوانين الحرب استنادا الى «درس غولدستون».
واذا كانت اسرائيل تضمن سقوط اي تصويت في مجلس الامن الذي احيل اليه التقرير بعد اقراره في جنيڤ بسبب «الڤيتو» الاميركي، فإن الادانة تكون قد حصلت بمجرد طرح التقرير على المجلس، لأنه في مجمل الاحوال ليس المطلوب اكثر من ذلك ولا احد يتوقع وصول هذا التقرير الى محكمة العدل الدولية في لاهاي، بل على العكس فإنه سيزيد الضغط على اسرائيل المحاصرة دوليا برفضها وقف الاستيطان في الضفة الغربية وتاليا تعطيل عملية السلام في الشرق الاوسط.
وسخونة الوضع اللبناني مع اسرائيل تقابل ببرودة الى حد الجليد على المسار السياسي الداخلي والوضع الحكومي، وعلى الرغم من ان المعالجات للوضع الحكومي وصلت الى مرحلة اليأس، فثمة من يعتقد ان الظرف اصبح ملائما لانتاج حكومة تكون ميتة سياسيا وعاجزة عن اتخاذ اي قرار، لأن الوضع لم يعد يحتمل هذه المراوحة القائمة حاليا، خصوصا ان الوضع الحكومي ينعكس شللا على باقي المؤسسات وفي مقدمتها المجلس النيابي الذي عجز عن انتخاب اللجان التي تشكل شريان العمل التشريعي، وقد اقر معظم النواب بعد الجلسة «المقزمة» ان امر اللجان قد ارتبط بالتوافق السياسي حول الحكومة، هذا بالاضافة الى الشلل الذي يصيب المؤسسات الاخرى التي تعتبر بمنزلة الذراع للسلطة التنفيذية ومن دونها تصبح السلطة بتراء، مما يلقي مسؤولية كبرى على عاتق الاجهزة الامنية التي تتزايد اعباؤها مع استمرار الوضع الحالي ويصبح الحبل الامني مفتوحا على كل الاحتمالات، اضافة الى تعطيل او تأجيل محطات اساسية في مسار الحياة الديموقراطية، ومنها الانتخابات البلدية، حيث المح الوزير بارود الى احتمال تأجيل الانتخابات البلدية المقررة نهاية الربيع مع استمرار الوضع الحكومي الراهن، لأن الكثير من الاجراءات لابد من اتخاذها للحفاظ على المواعيد كما هي مقررة.
ولا شك في ان حقيبة الاتصالات في الحكومة العتيدة ستدخل التاريخ والتي اصبحت تعادل الحكومة وتقرر مصير الوضع السياسي ومفتاح الحرب والسلم، مع قناعة جميع اللبنانيين او معظمهم بأن الامر لا يتعلق بوزارة او اكثر بل بـ «امر يوم» خارجي لم يصدر بعد، وبانتظار ذلك سنبقى في حالة مد وجذر تفاؤلي وتشاؤمي.