«مصالحة صوفر» بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي دليل آخر على المدى الذي وصل اليه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في تحوله السياسي المتدرج صعودا وبخطى متسارعة، أهمية ما حدث في صوفر لا تكمن فقط في مصالحة حزبية تضاف الى مجموعة مصالحات شرع بها جنبلاط مع القوى الحليفة لسورية التي قطع معها في السنوات الأربع الماضية، وإنما في الكلام السياسي الذي قاله والذي يعد الأكثر وضوحا في مضمونه ورسائله بعد مؤتمر «البوريفاج» الذي فجر فيه قنبلة الخروج السياسي من 14 آذار.
قال جنبلاط في صوفر: «من هنا، كان العبور إلى التحرير عام 1983، ومن خلفنا الجيش العربي السوري الذي وقف ـ وهذا تاريخ لا يمحى - تلك الوقفة البطولية في عين زحلتا، في الصفا، وفي السلطان يعقوب، آنذاك وسورية، عبرنا الى التحرير، كل منا، كل فصيل وطني وقومي وإسلامي كانت له مهمة، كنتم أيها الرفاق في الحزب السوري القومي الاجتماعي السباقين في عمليات المقاومة في شارع الحمرا وفي غيرها من المناطق، ثم انتشرت المقاومة في الجبل وفي الإقليم وفي صيدا». وأضاف: «كانت مهمتنا نحن المركزية، كحزب تقدمي اشتراكي في صد الهجوم أو الهجومات في تلك الجبهة التي سقط عليها الآلاف منا ومنكم ومن المجاهدين الوطنيين، ومن الفلسطينيين، ولاحقا من الجيش العربي السوري، جبهة سوق الغرب، وعبرت الى كل المناطق، وكان التحرير تدريجيا، مرحلة تلو مرحلة، الى ان تحرر لبنان، كل لبنان من العدو الإسرائيلي عام 2000، وأسقطنا كل المحاولات لربط لبنان بالمحور الإسرائيلي الغربي». وتابع: «الجغرافيا السياسية أملت منذ سنوات، منذ عقود أن نختار بين البحر، ولا أعتقد أننا نسبح كافيا، والذي يريد أن يذهب الى إسرائيل رأينا مصيره كيف انتهى في مزبلة التاريخ، ولذا سنذهب الى العمق العربي الواسع سورية ومن خلالها العالم العربي، لا أقول هذا الكلام لأتملق، لقد خرجت سورية، لكن أقول هذا من عمق قناعتي السياسية وتاريخي السياسي، وعندما ابتدأت بالسياسة حتى حين كان خلاف الحركة الوطنية مع سورية عام 1975، آنذاك تجاوزنا الألم الكبير والجرح الكبير من اجل المصلحة الوطنية والقومية ولن أزيد».
خطاب جنبلاط يتناغم وينسجم تماما مع خطاب رئيس الحزب السوري القومي النائب أسعد حردان الذي قال: «كل لبنان الوطني في مختلف المحطات الصعبة، ويتذكر اهل الجبل كيف استبسل الجنود السوريون خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، على محور عين زحلتا وعين دارة بهدف منع قوات الاحتلال من قطع طريق الشام الضاربة جذورها في عمق التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتي هي طريق حياة للبنانيين وشرايين تواصل وتفاعل، كما استمرت سورية في احتضان المقاومة التي تمكنت عام 2000 من دحر الاحتلال، وساعدت على صمود لبنان، وشرعت أبوابها وقلبها لاحتضان اللبنانيين في كل المراحل والمحن التي مرت على لبنان، والتي كان آخرها حرب 2006، حين تجلى تكامل الجيش والمقاومة والشعب في لبنان، ليحولوا التضحيات الى عطاءات، والصمود الى انتصار».
وختم حردان: «يا رفيق أبو تيمور، لا أخالني إلا معبرا باسمك وباسمي وباسم حزبينا مع القوى الوطنية كافة، حين أتوجه بتحية التثمين العالي والتقدير الكبير لسورية، شعبا وجيشا وقيادة، وعلى رأسها الرئيس الدكتور بشار الأسد، لوقوفها الى جانب لبنان ومقاومته وشعبه وجيشه ومؤسساته ووحدته واستقراره».
بموازاة ذلك، ثمة قناعة تزداد رسوخا لدى قوى 14 آذار بان جنبلاط خرج نهائيا من 14 آذار وأصبح في المقلب الآخر، وانه يكمل استدارته نحو سورية وحزب الله، وان زيارته الى سورية حصلت فعليا وسياسيا حتى لو لم تحصل حتى الآن على أرض الواقع، وثمة اعتراف ضمني لدى هذا الفريق بأنه «خسر» جنبلاط وان سورية وحزب الله نجحا في إبعاده عن 14 آذار وفي تقويض نتائج الانتخابات من خلال ذلك، ويبدو هذا الفريق مشغولا بالهدف التالي بعد جنبلاط، وسط اعتقاد عام أن الهدف التالي هو تفكيك الجسم السياسي لـ 14 آذار وضرب التحالف السني - المسيحي في 14 آذار، وإبعاد الرئيس المكلف سعد الحريري عن حلفائه المسيحيين.
تقول أوساط من 14 آذار ان الخطة تمر حكما بالسعي الى استفراد كل من الحريري وجعجع لإضعاف الأول حكوميا ووطنيا وتهميش الثاني مسيحيا. وتقول أوساط أخرى في 7 مايو أخضع جنبلاط للواقع السياسي الجديد بطريقة أو أخرى، والمطلوب إدارة إقليمية مع حزب الله للبنان، ما يتطلب فكفكة 14 آذار وفصل جنبلاط وحصل، هناك محاولة لعزل المسيحيين في 14 آذار، خصوصا للعمود الفقري في هذه القوى «سمير جعجع».