في قراءة سياسية أولية لحكومة الوفاق الوطني التي أعلنت مساء أمس الأول في 9 الجاري بعد مخاض صعب وطويل، يمكن التوقف عند الملاحظات التالية:
1 ـ التوزيع السياسي للحقائب على أساس صيغة 15 ـ 10 ـ 5 جاء على الشكل التالي:
الأكثرية: الرئاسة، المال، العدل، التربية، الاقتصاد، الأشغال، العمل، الاعلام، الثقافة، البيئة، الشؤون الاجتماعية، المهجرين، 3 وزراء دولة.
المعارضة: الخارجية، الصحة، الاتصالات، الطاقة، الصناعة، السياحة، الزراعة، شباب ورياضة، تنمية ادارية، وزير دولة.
رئيس الجمهورية: الداخلية، الدفاع، 3 وزراء دولة.
2 ـ التوزيع الطائفي للحقائب جاء على الشكل التالي:
السُّنة: الرئاسة، المال، التربية، الاقتصاد، البيئة، (وزير دولة).
الشيعة: الخارجية، الصحة، الزراعة، التنمية الادارية، الشباب والرياضة، (وزير دولة).
الموارنة: الداخلية، الطاقة، العمل، الشؤون الاجتماعية، السياحة، (وزير دولة).
الأرثوذكس: الدفاع (ونيابة الرئاسة)، العدل، الاعلام، (وزير دولة).
الدروز: الأشغال، المهجرين، (وزير دولة).
الكاثوليك: الاتصالات، الثقافة، (وزير دولة).
الأرمن: الصناعة، (وزير دولة).
(الطائفة السنية شهدت أكبر تغيير في الأسماء دون الحقائب، وطبيعي ان يكون الرئيس سعد الحريري جاء بفريق عمله الخاص الى الحكومة، الطائفة الأرثوذكسية هي الأكثر استقرارا في الحقائب والأسماء).
3 ـ أبرز الوزراء «العائدين» مع حقائبهم:
النائب الياس المر (دفاع)، زياد بارود (داخلية)، ابرهيم نجار (عدل)، محمد الصفدي (اقتصاد)، غازي العريضي (أشغال)، طارق متري (اعلام)، محمد جواد خليفة (صحة).
أبرز الوزراء العائدين مع حقائب جديدة: جبران باسيل (من الاتصالات الى الطاقة)، محمد فنيش (من العمل الى التنمية الادارية).
الوزراء الجدد السابقون: بطرس حرب (عمل)، ميشال فرعون (شؤون مجلس النواب)، أكرم شهيب (مهجرين)، عدنان القصار (دولة)، علي عبدالله (شباب ورياضة).
أبرز الوزراء الجدد: علي الشامي (خارجية)، شربل نحاس (اتصالات)، ريا حفار الحسن (مال).
أبرز المغادرين: الرئيس فؤاد السنيورة... طلال ارسلان، علي قانصوه (الحزب القومي).
4 ـ الرئيس سعد الحريري نجح في الوصول الى رئاسة الحكومة بعد انتظار دام 4 سنوات ومفاوضات حكومية مضنية دامت 4 أشهر، ليكون أصغر رئيس للحكومة في تاريخ لبنان ولتعود معه «الأمانة الحكومية» الى أهل البيت وصاحب العلاقة والرئيس الأصيل بعدما حفظها «بأمانة» ووسط ظروف بالغة الصعوبة منذ العام 2005 «الوكيل» الرئيس فؤاد السنيورة. دخول الرئيس سعد رفيق الحريري الى السرايا الكبير شكل لحظة تاريخية حافلة بالمعاني السياسية والانفعالات العاطفية، وهي بقدر ما تشكل عودة الى الوراء بمعنى احياء أو استئناف مشروع رفيق الحريري وفي أبلغ رد على اغتياله، تشكل خطوة الى الأمام بمعنى انها تفتح أفقا جديدا في الوضع الداخلي الذي تعود فيه الطائفة السنية خصوصا الى شعور الاستقرار والأمان بعدما عادت زعامتها السياسية الى الحكم رسميا وعمليا، كما تفتح أفقا جديدا في العلاقات اللبنانية السورية. ويصل سعد الحريري الى الحكم وهو في ذروة زعامته السنية، وحيث لم يسبق ان حاز زعيم سني التفاف وتأييد الشارع السني مثلما الحال مع الحريري الابن... ولكنه يصل وهو ليس في أفضل وضع سياسي رغم حيازته انتصارا انتخابيا واضحا لم يتمكن من ترجمته سياسيا في حكومة أكثرية تعكس نتائج الانتخابات.
5 ـ العماد ميشال عون هو من الرابحين في الجولة الحكومية، وان جاء ربحه «معنويا» أكثر منه «عمليا» فقد دارت عملية تأليف الحكومة وكادت ان تنحصر عمليا بين الحريري وعون الذي بدا القطب الرئيسي في المعادلة والمفاوضات الحكومية بغض النظر عن دعم حزب الله القوي والأسباب التي دعته الى هذا الدعم، لم يتمكن عون من تعزيز وضعه ومكتسباته، فلم يحصل على أكثر مما كان له وعلى ما طلبه رغم الزيادة العددية في تكتله، ولكنه تمكن من الحؤول دون فرض شروط عليه ودون الانتقاص من حصته وموقعه، ولكن النتيجة السياسية الأبرز التي أحرزها عون هي «العلاقة» التي بناها مع الحريري على امتداد جولات التفاوض، وما يمكن ان توفر من أفق ومعطى جديد في اللعبة الداخلية، مثلما كانت النتيجة العملية الأبرز التي أحرزها الحريري في فترة التأليف هي «الخبرة السياسية» التي اكتسبها مع اجتيازه معمودية النار السياسية الحكومية ووصوله وان بصعوبة الى «خط النهاية»، ولكن عون مثل الحريري وصل الى خط النهاية منهوك القوى، وسيكون عليه أولا الالتفات الى وضعه وبيته الداخلي داخل التيار الوطني الحر أولا الذي لم يقبل ولم «يهضم» فكرة «الاستعانة» بوزراء من خارج التيار الذي لا تعوزه الخبرات والكفاءات، وداخل تكتل الاصلاح والتغيير الذي تعرض لاهتزازات علنية كان أبرزها في العلاقة بين عون والنائب طلال ارسلان الذي لم يجد له موقعا في الحكومة وشعر «بغربة» في التكتل.
6 ـ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عزز حصته الوزارية مقارنة مع ما كانت عليه في حكومة العهد الأول (ما بعد اتفاق الدوحة) وبات يتمتع، في ظل توازن دقيق بين الأكثرية والمعارضة، بقدرة أكثر على التأثير في مجريات العمل والقرار الحكومي، ولكن الرئيس سليمان، الذي نجح أيضا في ان ينأى بنفسه عن الألغام الحكومية وان يثبت عدم انحيازه وموقعه «التوافقي»، يأخذ عليه البعض انه لم يلعب دور الشريك الأساسي في تأليف الحكومة.
7 ـ مسيحيو 14 آذار خرجوا من معركة الحكومة بوضع لا يتطابق مع ما خرجوا به من معركة الانتخابات النيابية. في الانتخابات نجحوا، ولاسيما القوات اللبنانية والكتائب، في تحقيق وضع متقدم، ولكنهم في الحكومة لم يحققوا مثل هذا الوضع. «فالقوات» نجحت في الحفاظ على موقعها دون زيادة أو نقصان... ومقابل اضطرارها الى ترك المقاعد المارونية، حصلت على التمثيل الكاثوليكي لمدينة زحلة بعدما كانت فاجأت الجميع بحصولها على ثلاث مقاعد نيابية في المدينة، وبعدما كان التمثيل الوزاري لزحلة معقودا للكتائب. ومقابل الاخفاق في معركة تحجيم عون حكوميا وسياسيا بعد الانتخابات، نجحت «القوات» في قيادة «مسيحيي 14 آذار» وفي الامساك بزمام المبادرة على هذا المستوى. ولعل المشهد السياسي الذي يعكس هذا الواقع هو الاجتماع الذي عقد في دارة الوزير بطرس حرب عندما التقت شخصيات 14 آذار لإقناعه بالمشاركة في الحكومة وقبول وزارة العمل بدل العدل. كان هذا الاجتماع الذي لم تشارك فيه الكتائب من «اعداد واخراج» قيادة القوات اللبنانية. اذا كانت القوات اللبنانية ربحت على المستوى السياسي في تعزيز موقعها القيادي المسيحي داخل 14 آذار أكثر مما ربحت على المستوى الحكومي في تعزيز موقعها رغم ان كتلتها النيابية زادت، واذا كان النائب بطرس حرب أبرز الرابحين على المستوى الشخصي، فإن حزب الكتائب هو الخاسر الأبرز وربما الوحيد في هذه الحكومة التي تصنف من النوع الذي «لا يرضي أحدا ولا يغضب أحدا»... الكتائب قد تكون ظلمت أو خدعت ولكن في الحالين هي تجد نفسها أمام تراكمات تضطرها الى اتخاذ قرار سياسي صعب، بعدما أصبحت تساورها من جديد مشاعر التهميش والاجحاف التي ساورتها طيلة فترة ما بعد الطائف.
8 ـ حزب الله ربح الجولة الحكومية ليعوض ما خسره أو ما لم يستطع ان يحصل عليه في جولة الانتخابات النيابية. فالحكومة بالطريقة التي شكلت بها والظروف التي أحاطتها، وأفرغت فوز 14 آذار من مضمونه وجعلت واقع ما انتخابات 2009 امتدادا لما كان قبله وكأن شيئا لم يتغير وكأن الانتخابات لم تحدث... كما أتاحت لحزب الله قدرة التحكم في الحكومة وممارسة حق الڤيتو (التعطيل) اذا دعت الحاجة، خصوصا ان الثلث المعطل مازال في يده بشكل أو بآخر، التقييم السياسي الحكومي لحزب الله لا يستند الى ما حصل عليه من حقائب، وانما تتناسب مع استراتيجيته السياسية في احراز وضع أكثر تقدما في الحكم وأكثر تأثيرا في القرار السياسي للدولة...
9 ـ الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط هما الأكثر ارتياحا الى ولادة الحكومة بعدما كانا الأكثر اطمئنانا الى موقعهما وبكرا في حجز حصتهما الوزارية لينتقلا الى موقع المتفرج على الحريري وهو يخوض مفاوضاته الصعبة مع عون... وارتياح بري وجنبلاط مرده الى سببين رئيسيين:
- ـ الأول ان التطورات الحكومية أكدت على معادلة الـ «س. س» التي تحمسا لها وجعلاها أساسا وغطاء للحكومة وللوضع المقبل، وحيث ان التفاهم السوري - السعودي سيكون عاملا ايجابيا ليس فقط في دعم حكومة الوحدة الوطنية، وانما أيضا في احتواء التوتر الشيعي - السني.
- ـ الثاني ان قيام الحكومة يفتح اللعبة السياسية الداخلية على آفاق وقواعد جديدة ان لجهة خلط أوراق وكسر حدة الفرز الذي كان طبع البلاد في السنوات الماضية بين 8 و14 آذار، وحيث سيكون بإمكان بري وجنبلاط ان يشكلا ثنائيا منسجما في المجلس والحكومة، أو لجهة فتح صفحة جديدة في العلاقات السورية اللبنانية وازالة توترات الأعوام الأربعة الماضية.
10 ـ يمكن القول ان سورية هي الرابحة الأولى مما جرى. فمن جهة، وفي موازاة اعادة التموضع وتركيز أوضاعها الاقليمية والدولية (المصالحة مع السعودية، التحالف مع تركيا، الشراكة الأوروبية، الحوار الاميركي)، نجحت في تكوين انطباع راسخ لدى المجتمع الدولي انها تلعب دورا ايجابيا في لبنان، وهو ما أثبتته أخيرا في المساعدة على تسهيل ولادة الحكومة بعدما كانت ساعدت على اجراء الانتخابات النيابية من دون التدخل فيها. ويمكن الملاحظة بسهولة كيف ان الحملات ضد سورية توقفت وكيف ان ايران اتهمت وحدها بعرقلة الحكومة وتأخيرها، وكيف اننا لم نعد نسمع في بيروت نظرية «المحور السوري الايراني». ومن جهة ثانية قدمت دمشق الدليل القاطع الى ان ولادة الحكومة لم تكن ممكنة من دونها، وانها مارست نوعا من التدخل الايجابي لتفكيك العقد والمشكلات. وبذلك تكون دمشق قد استعادت ما كان لها من دور وتأثير ونفوذ، وشرعت في ترتيبات اعادة الوضع الى ما كان عليه قبل العام 2005 ومن دون الحاجة الى «وجود عسكري» أي الحصول على النتيجة نفسها من دون كلفة وأعباء مباشرة، ولعل زيارة الرئيس سعد رفيق الحريري الى دمشق بعد نيل الحكومة الثقة ستكون التطور والمؤشر الأوضح والأبلغ الى مرحلة جديدة.