بيروت ـ عمر حبنجر
احتفل لبنان امس بذكرى استقلاله السادسة والستين، حيث قدم الجيش اللبناني عرضا عسكريا تقليديا شاركت فيه وحدات من مختلف ألوية الجيش، في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ورئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري، فضلا عن رؤساء سابقين ووزراء ونواب وسفراء الدول العربية والاجنبية.
ومن ساحة العرض في جادة رئيس الحكومة الراحل شفيق الوزان، في وسط بيروت انتقل الرؤساء الثلاثة الى القصر الجمهوري، حيث تقبلوا التهاني بالمناسبة في مشهد توافقي، يعكس مرحلة ما بعد ازمة تشكيل الحكومة، ويمهد لحل مرتقب لازمة صياغة البيان الوزاري المنتظر حسمها هذا الاسبوع، من حيث المبدأ.
وعشية الذكرى اطلق الرئيس ميشال سليمان مجموعة عناوين وثوابت تضمنت رؤيته للمرحلة المقبلة، داخليا وخارجيا، من خلال «رسالة الاستقلال» التي أتبعها بحوار مقتضب مع صحافيين واعلاميين.
الطائفية السياسية
وشدد الرئيس سليمان «على ان اي اصلاح او تطوير يجب ان يخدم هدفنا في بناء الدولة وبغية الحفاظ على المشاركة الكاملة بما لا يناقض ميثاق العيش المشترك»، معربا عن تطلعه الى دور للحكومة في تحقيق ورشة الاصلاح، ولفت الرئيس الى انه يمكن لهيئة الحوار الوطني، التي ستلتئم قريبا، «والتي لن تكون سلطة جديدة منافسة او موازية للسلطة التنفيذية، ولا تنوب عنها، ولا تتعارض مع عملها ومبادراتها»، ايجاد المناخات المناسبة للمضي قدما في هذا التوجه، متطلعا الى مشروع استقلال السلطة القضائية، ومعلقا آمالا اصلاحية على تطبيق مشروع اللامركزية الادارية الموسعة، وتعزيز دور البلديات وتحقيق الانماء المتوازن للمناطق».
واشار الى الحاجة الى تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وتطوير قانون الانتخابات النيابية، واعادة الحقوق للمغتربين، معتبرا ان التوافق هو الشرط الضروري لانجاز هذه الاهداف، التي لطالما اكد عليها وعلى تحقيق التوازن المطلوب بين الصلاحيات والمسؤوليات، تمكينا للمؤسسات، بما فيها رئاسة الجمهورية، من تأدية دورها الوطني، وذلك طبقا لنص وروح الدستور بعيدا عن المحاصصة، وتوزيع المسؤوليات وليس تنازع الصلاحيات، وشدد على «ان هذا التوجه لا يستقيم من دون معالجة الثغرات التي ظهرت في عمل السلطات الدستورية بعد مضي عقدين على اعتماد اتفاق الطائف، الذي لابد من المضي في السعي لتطبيق كامل بنوده».
حق لبنان بالمقاومة
واكد الرئيس سليمان على ان استقلالنا هو فعل ايمان بالحوار، وبالعيش المشترك والتطلع الى دولة القانون والمؤسسات، معتبرا ان اي مشروع اصلاحي يحتاج لارادة وطنية جامعة نابعة من قيمه، واذ لفت الى ان هذه الارادة «نجحت في التصدي للعدوان الاسرائيلي وتحرير معظم الارض ومواجهة ظاهرة الارهاب»، فانه شدد على ان لبنان يحتفظ بحقه في المقاومة لاسترجاع ما تبقى من اراضيه المحتلة بجميع الوسائل المشروعة والقدرات المتاحة، وشدد ايضا على ضرورة وضع خطة عملية من اجل منع اي شكل من اشكال التوطين، بالاضافة الى تنقية العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية من الشوائب، وتنفيذ مقررات مؤتمر الحوار اللبناني المتعلقة بمعالجة السلاح الفلسطيني الى جانب المسائل الحياتية، معلقا الآمال على الدور الذي يمكن للبنان ان يضطلع به من خلال عضويته غير الدائمة في مجلس الأمن.
وأكد سليمان ان العلاقات اللبنانية ـ السورية تخطو الى الامام مع السعي نحو علاقات متنامية مع سورية وسائر الدول العربية وتطويرها في المجالات كافة.
ودعا لمواجهة العدوانية العنصرية الاسرائيلية ومنع اي شكل من اشكال التوطين عبر خطة تضمن ذلك اضافة الى تنقية العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية من الشوائب وتنفيذ مقررات مؤتمر الحوار اللبناني حول السلاح الفلسطيني الى جانب المسائل الحياتية.
وفي دردشة مع الصحافيين وردا على سؤال حول امكان بحث هيئة الحوار مواضيع اخرى غير الاستراتيجية الدفاعية، لالغاء الطائفية السياسية لفت سليمان الى ان طاولة الحوار السابقة ناقشت مسائل غير الاستراتيجية الدفاعية من ضمن جدول اعمالها.
كما كشف رئيس الجمهورية عن ان هيئة الحوار يجري التحضير لها ومعيار التمثيل ليس شرطا ان يكون نيابيا وسنحاول الا تصبح فضفاضة، وربما يكون على الطاولة شخص ليس نائبا ولا وزيرا ولكن له حيثيته التمثيلية وموقعه في البلد.
واضاف سليمان ان دوره التوافقي يعرف جيدا كيف يمارسه وما قمت به خلال سنة ونصف السنة أليس دليلا على فاعلية هذا الدور التوافقي؟ واشار الى موضوع قوى الأمن الداخلي، مؤكدا ان هناك خللا وقد تمت معالجته، الخطأ انه تم تسريبه الى الاعلام.
نافيا ان يكون وزير الداخلية زياد بارود قد اعتكف وهو اعلن ذلك وانشغاله امس واول من امس يعود لتمثيلي في اكثر من مناسبة.
وحول موضوع اللامركزية الادارية قال سليمان: «ببراءة اقول حتى الآن الجميع يريدها ولكن يبقى ان ننتظر لنرى عند الطبيق».
وعن اتخاذ القرارات في الحكومة وما اذا كانت ستخضع للتوافق المسبق قبل عقد جلسات مجلس الوزراء للتصويت، اوضح سليمان انه في ذلك يجب العودة الى الدستور الذي يقول ان القرارات تؤخذ بالتوافق واذا تعذر التوافق تخضع للتصويت، ونحن علينا ان نبدأ من فوق وليس من الأسفل، اي ان نبدأ بالبحث عن التوافق ثم التوافق، واذا تعذر التوافق نلجأ الى التصويت.
وتحدث سليمان عن ان ترسيم الحدود مع سورية سيبدأ خلال شهرين، ولا يهم من اي نقطة ينطلق، بمعزل عن قصة مزارع شبعا. وشارك الرئيس سليمان والرئيس نبيه بري وسعد الحريري في عشاء حاشد في فندق الڤنيسيا، بدعوة من المجلس العام الماروني، وجرى خلال العشاء احتفال بعيد ميلاد رئيس الجمهورية الذي قطع قالب حلوى بالمناسبة.
وبمناسبة الاستقلال كذلك، أقام رئيس الحكومة سعد الحريري حفلا أوبراليا ايطاليا، بحضور العديد من المدعوين.
وخلال عشاء تكريمي اقامه على شرف المشاركين في مؤتمر غرف التجارة العربية، شدد الرئيس الحريري على انه سيكون رئيسا لحكومة كل لبنان.
وفي اشارة الى تصريحات لوزير الداخلية زياد بارود قال فيها انه يعتبر رئيس الجمهورية مرجعه الاول والاخير، قال الحريري: ان كل وزير في هذه الحكومة، لن يكون ممثلا لطرف معين.
وأمل الحريري ان تنال حكومته الثقة قريبا، لافتا الى ان انجاز البيان الوزاري يتطلب وقتا، خصوصا ان لدى هذه الحكومة طموحات كبيرة.
الاستقلال في اتخاذ القرار
من جهته، العماد ميشال عون رئيس كتلة الاصلاح والتغيير، رأى ان الاستقلال هو اتخاذ القرار على مستوى الحكم بحرية مطلقة، وعدم المس بالشرائع الدولية والمصالح الحيوية للدول الاخرى.
وقال عون ردا على سؤال بشأن ما تبقى من استقلال 1943، رب قائل ان المحافظة على الاستقلال أصعب من الحصول عليه، لذلك خسر اللبنانيون استقلالهم لمرحلة طويلة، واستعادوه نسبيا عام 2005، وما بقي منه او ما استرد منه يقاس بحجم استقلالية صناع القرار في الوطن.
واضاف عون: ربما كان شعور اللبنانيين باستقلالهم اصدق انباء من آراء السياسيين الذين يمارسون السلطة.
وفي غضون ذلك، تتالت المواقف من البيان الوزاري الذي ما زالت بعض بنوده السياسية محور تجاذب. واعلن رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع ان نغمة التوافق في البيان الوزاري عند البعض في لبنان، تنسحب على اصغر موظف في اصغر دائرة، لكنها لا تنسحب على الاستراتيجية الدفاعية.
جنبلاط يتمسك بالنص القديم
وحول كيفية مقاربة موضوع المقاومة والاستراتيجية الدفاعية في البيان الوزاري بين مؤيد أو معارض أو مطالب بالعودة الى نص بيان الحكومة السابقة، اعتبر النائب وليد جنبلاط ان فيه المخرج لأنه لا مبرر للخروج عنه.
جنبلاط وبعد لقاء مطول في قصر المختارة مع النائب طلال ارسلان، اتسم بالطابع العائلي، دعا الى التمسك بالثوابت، لافتا الى قرب استئناف طاولة الحوار الوطني بحضور النائب ارسلان، لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية.
من جانبه، وزير حزب الكتائب في الحكومة سليم الصايغ رأى ان مناقشات لجنة البيان الوزاري تتم في جو راق، وبإدارة جيدة لرئيس الحكومة سعد الحريري. الصايغ قال ان القضية العالقة على صلة بالمقاومة وبازدواجية قرار الحرب والسلم.
لطريق التسامح والمحبة
رئيس حزب الكتاب أمين الجميل دعا الحكومة الجديدة الى ان تكون حكومة وفاق وطني حقيقي.
وفي كلمة له بعد القداس الذي اقيم بمناسبة الذكرى الرابعة لاستشهاد نجله الوزير بيار الجميل، الذي حضره حشد سياسي يتقدمه رئيس الحكومة سعد الحريري، قال ان الامل في ان تنجح الحكومة في ايصال لبنان الى مرفأ الأمان. واضاف: لقد تشكلت حكومة وحدة وطنية، جمعت كل لبنان، كل الفئات والطوائف والاتجاهات، نريدها حكومة وفاق، وأخوك ورفيقك (سعد الحريري) على رأسها، نريد لها النجاح، وكأنك من مكانك، من المكان الابدي تحذرنا وتنبهنا الى انه ليس غير طريق التسامح والمحبة يمكن ان ينقذ لبنان.