زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى دمشق حاصلة قريبا، قبل نهاية العام وبعد نيل الحكومة الثقة. الظروف باتت مهيأة لهذه الزيارة والترتيبات بشأنها سياسيا وبروتوكوليا أعدت على أساس ان تكون زيارة استثنائية في طبيعتها ومغزاها ونقطة تحول أساسي في مسار العلاقات اللبنانية - السورية ومجرى الوضع اللبناني، والى حد ما حدا فاصلا بين مرحلتين: مرحلة قاتمة امتدت بين أعوام 2005 و2009 ومرحلة جديدة تعود فيها سورية الى لبنان الى وضع ما قبل العام 2005 ولكن من دون «عسكر». في هذا السياق اكدت مصادر صحافية ان شخصيتين على الاقل من فريق الحريري تتابعان ملف التحضير السياسي واللوجستي للزيارة التي ستستغرق يوم واحد حيث سينقل الى دمشق جوا بعد اخذ موافقة مجلس الوزراء. جهات سياسية مواكبة لعملية الاعداد السياسي الدقيق لهذه الزيارة تكشف عن اتصالات بين القيادة السورية والرئيس سعد الحريري عبر موفدين خاصين بدأت في فترة تأليف الحكومة وأعطتها القمة السورية السعودية زخما وقوة دفع وقطعت أشواطا متقدمة جدا في تحديد الاطار السياسي للزيارة وجدول أعمالها. ولكن يبقى ان لكل طرف نظرته الى هذه الزيارة التي لا تتطابق تماما مع نظرة الطرف الآخر. فمن جهة الرئيس سعد الحريري، قد أخذ قراره السياسي بزيارة دمشق وفتح صفحة جديدة معها معلنا بشكل ضمني فك الارتباط بين ملف العلاقات اللبنانية - السورية وملف المحكمة الدولية. وطبيعي ان يأخذ الحريري هذا التوجه لثلاثة أسباب مباشرة:
- الأول: تلبية لرغبة سعودية وانفاذا لتعهد قطعه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للرئيس بشار الاسد بأن الدور السوري الايجابي في لبنان تتم ملاقاته من الجهة اللبنانية بتسريع وتيرة العلاقات واعادتها الى سابق عهدها.
- الثاني: الحريري لا يمكنه من موقعه الجديد كرئيس حكومة كل لبنان ان يتجاهل سورية «الشقيق العربي» الأقرب الى لبنان وبوابته الى الدول العربية، ولا يمكنه الا ان يكون على تواصل وعلاقة جيدة معها.
- الثالث: الحريري لا يمكنه ان «يحكم» أو ان يرأس حكومة مستقرة ويدير وضعا مستقرا الا بمساعدة السوريين الذين مازالوا يحتفظون بتأثير ونفوذ كبيرين في الداخل اللبناني. الى ذلك نقل أحد الوزراء عن الحريري قوله لدى مناقشة مستقبل العلاقات اللبنانية - السورية إن «أحدا لا يزايد علي في هذا الموضوع وكنت صرحت سابقا بأنني، في مكان ما، سأزور دمشق في حال كلفت رئاسة الحكومة للبحث في تعزيز هذه العلاقات وتنقيتها من الشوائب، لاسيما أن الجميع اعترف بوجود خلل وحصول أخطاء على هذا الصعيد». وقال الحريري، بحسب الوزير نفسه: «لن نعود بالعلاقات السورية -اللبنانية الى ما كانت عليه قبل العام 2005، لكننا نرفض استبدال صيغ جامدة بالصيغة التي كانت قائمة في حينه، خصوصا أننا نتطلع الى بناء علاقات إيجابية وودية مع سورية نأمل بأن نتجاوز من خلالها الأخطاء التي حصلت في الماضي وأن تكون النموذج لعلاقات قائمة على التعاون والاحترام المتبادل لاستقلال البلدين وسيادتهما». وأوضح الوزير أن وزراء سألوا عن مصير المجلس الأعلى اللبناني - السوري المنبثق من معاهدة الأخوة والتعاون بين البلدين، وأن الحريري رد عليهم بقوله إن هذه المسألة هي واحدة من المواضيع المطروحة للنقاش داخليا ومع المسؤولين السوريين. أما من جهة دمشق، فإن القيادة السورية:
- قررت ان تحتفي بالرئيس سعد الحريري وقد أعدت له استقبالا خاصا وحارا يعاكس تماما برودة السنوات الماضية.
- تفضل ان تكون زيارة الحريري الأولى لها زيارة سياسية أكثر منها بروتوكولية، وان يجري محادثاته معها من خلفية انه الزعيم السني في لبنان أكثر منه رئيسا للحكومة، وان يصل الى دمشق ومعه وفد خاص مصغر، وان تتقدم الخلوة الشخصية مع الرئيس الاسد على المحادثات الرسمية بين الجانبين. دمشق أخذت قرارها باحتضان الحريري سياسيا وتوفير كل الدعم له، وهي تتوقع ان تكون علاقتها مع سعد الحريري أكثر تقدما وأفضل مناخا مما كانت عليه علاقتها مع الرئيس رفيق الحريري...
ولكن السؤال المطروح في دمشق هو: الى أي مدى الحريري مستعد وقادر لأن يصل في علاقته والتزاماته معها، ولأن «يتحرر» من أعباء وعقبات وضغوط لبنانية داخلية؟